نجمة الليل دموع الورد كن مختلفا وقشر البرتقاله بالملعقه .... لـ(قدوة الصديقين) ][ ... المنتدى الإسلامي العام ... ][



التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز الموضوع المميز المشرف المميز المشرفة المميزه
قريبا
بقلم :
قريبا قريبا

العودة   ..]] منتديات الحويرات [[.. > [:. الأقسام الرئيسيه .:] > ][ ... الرف الأدبي ... ][

][ ... الرف الأدبي ... ][ •• قصص، روايات، كتب، شعر وخواطر ••

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-01-2010, 06:28 AM   #1
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
Ss70013 ( إلا علي ) لـ كمـال الســـيد ,, ( متابعة )

بسمه تعالى
اللهم صل ِعلى محمد وال محمد




( إلا علي ) أو ( أصلب من الأيام )



لـ كمـال الســـيد ,,





الاهداء :

اليك يا رسول الله ...

وانا ..
اشهد انّ علياً
وليً الله ..



,,


بسم الله الرحمن الرحيم


في البدء ..


لايعدو الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ .. ألا محاولة لاستكشاف شواطئ بحر لا نهائي ..وما فصوله سوى توقفات مع ومضاتٍ من الجانب التسجيلي لحياة ذلك العظم ..
لقد احسست منذ « البدايات » ، انني سأضيع في عالم زاخر بالنجوم .. وفي كل مرّة كنت اثوب إلى نفسي فأعود إلى الشواطئ ، واكتفي بتأمل الأمواج من بعيد ..
كنت واثقاً بان الاقتراب اكثر سوف يودي بي إلى الغرق .. من أجل هذا اكتفيت في رحلتي بالضفاف .. وفي رأيي سوف تبقى الكتابة في كل شيء أمراً ممكنا .. « الا علي » .




كمال السيد


لأجل هذهـ فكرت بنقلها لكم فصلا فصلا ...


انتظروني .. نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


من مواضيعي

0 اليهود المتشددين كثفوا حملة لمحاربة المغالاة في الاحتشام لدى اليهوديات المتدينات !
0 أكذوبة السير على القمر .. وثائقي بالصور !!
0 قوم لوط هل تم نسفهم بانفجار نووي؟؟؟ ( حقائق غريبة تنكشف) !!!
0 معنى كلمة الشاطر.. !!
0 لماذا يقولون عن معاوية خال المومنين ؟‎


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 08-01-2010, 06:53 AM   #2
 
الصورة الرمزية سجود الروح

الدولة :  اسكن بقلب محبوبـــي ^.^
هواياتي :  الاهتمام بكل مايرضي ربي والوالدين و الاحمـ^^

مشاهدة أوسمتي

سجود الروح غير متواجد حالياً
افتراضي

..
لكـ خالص الشكـــر شوقتينا للطرح ..
كلمات البدائيات روعه وشيقه..
بالانتظار الفصول...............
..
تحياتي..
.
من مواضيعي

0 فديو لقصيدة الصداقه (( ياليت اليوم تفهمني))
0 كيــف يتم اصطياد الفتيات في المنتديات..بكل جراءه..!!..احذرو.!!
0 مدينـــــــــــــة الصااااابون ولاااا احلى.,,,,
0 ساااااااعدوه مشـــــــــان ينجح..~
0 كرسي شكلها غير......


التوقيع :
,’الحمد لله الذي وهبني اروع خلقــــه’,
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 12:31 PM   #3
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
Ss70013

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سجود الروح مشاهدة المشاركة
..
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سجود الروح مشاهدة المشاركة

لكـ خالص الشكـــر شوقتينا للطرح ..
كلمات البدائيات روعه وشيقه..
بالانتظار الفصول...............
..
تحياتي..
.


ولكم جزيل الشكر والتقدير على الاطلالة العلوية

نتمنى تواجدكم على الدوام للمتابعة ..

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


نبدأ باسم الله ..

« كنت اتبعه اتباع الفصيل اثرامه .. »


مضت على عام الفيل ( 1 ) ثلاثون سنة ، وقد أضحت قصة أصحاب الفيل مجرد ذكريات يحكيها الأجداد للأحفاد ؛ حتى إذا أطل عام 600 للميلاد كانت الكعبة على موعد مع حادث جديد .
بدا أبو طالب سيّد مكة وشيخ البطحاء حزيناً ، كان آخذاً سمته صوب الكعبة يتضرع إلى اله إبراهيم واسماعيل ، فلقد اشتد بزوجه الطلق وتعسّرت الولادة .
كانت غيمة حزن تطوف وجهه المضيء ، وضع ابن عبد المطلب كفّه على جبينه ، وقد طغت على وجهه الكآبة ، قالت نسوة من العرب :

_ ما شأنك يا أبا طالب ؟ !

أجاب ابن راعي البيت :

_ ان فاطمة بنت اسد في شدّة المخاض .

وضع يديه على وجهه ليحجب حزنه ؛ ربّما ليغمض بصره لتنفتح بصيرته على عوالم سماوية . وأقبل « محمد » رجل في الثلاثين فألفى عمّه وكافله وحامي طفولته غارقاً في حزن مرير . ومدّ الشاب يده إلى عمّه يساعده على النهوض ، ووجد الشيخ نفسه ينقد مع ابن اخيه فطالما رأى بركات هذا الفتى الهاشمي ذكرى شقيقه « عبد الله » .
وجاءت ابنة اسد تحفّها النسوة إلى بيت الله . قالت وهي تتمسح بجدران البيت العتيق :

_ يا رب .. اني مؤمنة بك وبما جاء به رسلك واني مصدّقة بكلام جدّي ابراهيم الخليل ، فبحق من بنى البيت العتيق يسّر علي ولادتي .

واشتدّ المخاض ؛ وفي تلك اللحظات عندما يتحد الإنسان مع السماء انشق الجدار لتلج فاطمة إلى جوف الكعبة إلى الاحضان الدافئة المفعمة بالسلام لتترك أهل مكة في حيرة وذهول .
وتمرّ أيام ثلاثة حتى إذا أشرق اليوم الرابع خرجت فاطمة من أعماق الكعبة وهي تحمل صبياً في منظر ملائكي لا يقل بريقاً عن مشهد مريم ابنة عمران يوم جاءت تحمل عيسى وقد اشتد بها المخاض عند جذع النخلة .
وانطلق البشير إلى أبي طالب فاقبل وأهل بيته مسرعين وقد غمرت الفرحة قلوبهم ، وكان أكثرهم فرحة محمد الذي ضم الصبي إلى صدره الدافئ وحمله إلى بيت أبي طالب .

وكما يومض البرق في السماء ومض اسم « علي » في ذهن ابي طالب ؛ لقد كان علي هدية السماء الى الأرض ؛ صبي خرج من اعماق الكعبة المعظمة كما تخرج اللؤلؤة من صدفتها الجميلة .
ونما علي يتخطى الأيام والشهور ، يتأمل وجوهاً نظرة تحنو عليه وتبتسم له وتناغيه وكان احبها إليه وجه يحمل اسماً جميلاً هو « محمد » ؛ وهكذا تدفق نبع من الحب السماوي بين محمد وعلي .
وتعصف ازمة اقتصادية بمكّة ويعاني أبوطالب من وطأتها فقد كان كثير العيال ؛ وهنا يتقدم محمد إلى عمّه الثري العباس ويقترح عليه التخفيف من أعباء سيد مكّة وزعيم بني هاشم ويرحب العباس بذلك فيأخذ جعفراً ويأخذ محمداً وليد الكعبة علياً . وانتقل الصبي إلى ظلال وارفة لينشأ في بيت خديجة المفعم بالمحبّة والسلام .
ومن ذلك التاريخ لم يفارق علي كافله ومعلمه العظيم وهكذا قدّر لعلي أن يكون صورة مصغرة لمحمد المثال الأسمى للإنسانية عبر تاريخها الطويل .

هل رأيت الفصيل وهو يتبع امّه ، انه لا يشعر بالطمأنينة والأمن إلا في احضانها أو بالقرب منها ، وهكذا كان الصبي يتبع ابن عمّه يلازمه كظل ، يرافقه في طوافه حول الكعبة بيت ابراهيم وينطلق معه صوب جبل حراء موعده في كل عام ، ولم يكن حراء قريباً بل كان يبعد عنها ثمانية أميال ، وكان محمد قد اختار في بلك المفوح غاراً لا يكاد يسع إلا لثلاثة أشخاص .

وكان محمد يستغرق في تأملاته التي تأخذه بعيداً عن ويلات الأرض وأدرانها ؛ وكان علي يراقب معلّمه يتعلم من حركاته وسكناته وتأملاته ما يجعله يرى بوضوح حقائق العالم ؛ لقد وعى علي كل التحولات الروحية لابن عمّه العظيم فكان له كالمرآة الصافية تنعكس فيها شخصية محمد ، وتتجلّى فيها اخلاقه الرفيعة .




« وهبط جبريل .. »



وعندما بلغ الصبي العاشرة من عمره شهد بكل جوارحه أعظم حدث في تاريخ الأرض يوم هبط الملاك يحمل البشرى لمحمد هاتفاً :

_ يا محمد ! أنت رسول الله .. وأنا جبريل .


ولقد أفزع هذا الحادث الشيطان فاطلق رنة يأس وهو يرى النور يغمر حراء وسيغمر العالم كلّه ؛ وتساءل الفتى :

_ يا رسول الله ما هذه الرّنة ؟

واجاب آخر الأنبياء :

_ هذا الشيطان قد أيس من عبادته .

وألقى النبي نظرة حبّ على أخيه الصغير :

_ انك تسمع ما اسمع وترى ما أرى ..

ومنذ ذلك التاريخ أي في عام 610 للميلاد وعلي يتشرب آيات السماء وكلمات القرآن ، وفي مجتمع غارق في الوثنية حتى أذنيه كان علي الفتى الوحيد الذي اضاءت قلبه حقيقة التوحيد التي جعلته ينظر إلى مئات الاصنام والاوثان المحيطة بالكعبة نظرة ازدراء ويتجه بقلبه إلى السماء ... إلى الأفاق اللانهائية حيث تتجلّى عظمة الإله الأوحد .

وكان رسول الله ينظر نظرة حبّ إلى مثال انساني رفيع اختارته السماء ليكون عوناً في ابلاغ آخر الرسالات فلقد حمل علي كل ملامح محمد إلا النبوة .






« الانذار .. »


وانتقلت دعوة الإسلام إلى اطار أوسع عندما هبط جبريل بالآية الكريمة :« وانذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فان عصوك فقل اني بريء مما تعملون » .

ورأى النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » أن يدعو بني عبد المطلب إلى وليمة في منزلة فأمر علياً ان يهيأ لذلك ؛ لقد كان طعاماً مباركاً شبع المدعوون منه لحماً وارتووا لبناً ؛ فعلّق أبو لهب دون أدب قائلاً :

_ ما اشدّ سحر محمد .

وبذلك فوّت الفرصة على النبي الذي اعتصم بالصمت ، ونهض أبو طالب وهو ينظر الى اخيه من أبيه نظرة غضب ، ونهض الجميع .
وأدرك علي ان الجوّ لم يكن مناسباً للحديث في أمر هام ، بعد الذي تفوّه به أبو لهب . وتمرّ الأيام ورأى رسول الله أن يدعو قومه مرّة أُخرى فقال لربيبه علي :


_ يا علي قد رأيت كيف سبقني هذا الرجل إلى الكلام فاصنع ليا غداً كما صنعت بالأمس واجمعهم لعلّي اكلمهم بما أمرني الله .

وتمّت الدعوة عندما احتشد اربعون رجلاً من بني عبد المطلب ، وكان أبو لهب ينظر إلى محمد ولكنه لم ينبس ببنت شفة فقد هيمن شخص أبي طالب على المكان وكانوا يعرفون مدى حبّ سيّد مكة لابن اخيه محمد ، وتحدّث النبي بأدب يبهر كل من اصغى إلى منطقه قائلاً :
_ ما اعلم انساناً في العرب جاء قومه بمثل ما جئتكم به .. لقد

جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربي أن أدعوكم اليه .. فأيكم يؤازرني على هذا الأمر فيكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ؟

وهيمن الصمت ؛ كان علي يصغي إلى النبي وعيناه تتألقان بحماس الشباب ؛ فنهض يعلن استعداده المطلق في نصرة النبي قائلاً :

_ أنا يا نبي الله .


وطلب الرسول من فتاه أن يجلس ؛ وكرر عرضه مرّة ومرّة ولكن دون جدوى ، وفي كل مرّة كان علي ينهض وتأثر النبي لمنظره فاتجه إليه يعانقه ويبكي وتمتم بكلمات تكاد تخترق الزمن :

_ أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي .

وانتفض أبو لهب ساخراً كعادته ، والتفت إلى أخيه شيخ مكّة :

_ قد أمرك محمد أن تسمع لابنك وتطيع !

وفي تلك اللحظات ولد الميثاق بين رجلين تفصلهما ثلاثون سنة ، وبرز علي لتحمل مسؤولية لا ينهض ، بها إلا الأوصياء .




« فوق جبل الصفا .. »


الحقائق الكبرى تضطرم في قلب محمد تسطع بنور يكاد سنا برقه يضيء العالم ؛ ويأوي محمد إلى فراشه وهو ينوء بثقل

الرسالات ؛ وجاءت خديجة زوجته المؤمنة الصدّيقة فدثرته بالغطاء وغادرت الحجرة تاركة رسول الله في استراحة هانئة ؛ وفجأة دوى الصوت الذي سمعه في حراء من قبل :

_ « يا أيها المدثر قم فانذر وربّك فكبّر » .

ودخلت خديجة لترى زوجها العظيم غارقاً في تأمّلاته وجبينه ينضح عرقاً فقالت باشفاق :


_ لم لا تنام يا أبا القاسم !

فاجاب آخر الأنبياء في التاريخ :

_ انتهى يا خديجة عهد النوم والراحة .. امرني جبريل أن انذر الناس .

وانطلق رسول الله إلى جبل الصفا ، حتى إذا استوى على قمته نادى بصوت عال :

_ يا معشر قريش !

وهبّ الرجال إلى الجبل ، ونفوسهم تتطلع إلى ما سيقوله محمد .. حتى إذا اجتمع الناس هتف النبي صلى الله عليه وآله :

_ أرأيتم لو اخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل اكنتم تصدقون ؟


وانطلقت صيحات التصديق من هنا وهناك :

_ نعم .. فأنت عندنا الصادق المصدّق .. ما جرّبنا عليك كذباً

قط ؛


وعندها اعلن النبي رسالة السماء :

_ اني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ... لا إله إلا الله وأنا رسول الله !


وانتفض أبو لهب وجسمه البدين يكاد يتشظّى حقداً قائلاً :

_ تبّاً لك سائر اليوم .

وتأثر النبي بشدّة لموقف ابي لهب وما لبث جبريل أن هبط يحمل سورة تتشظّى لهباً :
« تبت يدا أبي لهب وتب * ما اغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد » .

وفي هذا المقطع الزمني دخلت دعوة الإسلام أدق مراحلها وأكثرها حساسيّة ؛ فقد انتشرت كلمات الله ، وراحت تطوف بيوت مكّة ، واستنشق شذاها المحرومون والمقهورون كما يستنشقون نسمات « الصبا » وهي تحمل لهم بشارة الربيع القادم .

ما أن ينشر السماء ستائره ، وتتألق النجوم في صفحة السماء الصافية حتى يشهد منزل النبي حركة غير عادية حيث يهفو الظامئون في غمرة الظلام إلى نبع النور كما الفراشات تبحث عن الشموع .




« لقاء في الكعبة .. »




عبرت كلمات السماء حدود مكة ؛ انتشر شذاها في ربوع الجزيره ؛ وشهدت جلسات السمر في مضارب القبائل أحاديث عن رجل مكي اسمه محمد ، من بني هاشم وخفقت القلوب لكلمة التوحيد ، فجاءت تقطع المسافات تتنسم اخبار النبي ؛ وذات يوم شدّ جندب من قبيلة غفار الرحال إلى مكّة ، فدخلها على حذر ، واتجه إلى الكعبة بيت الله الحرام علّه يعثر على ضالته ؛ وراح يراقب عن كثب الوجوه ، فقد يرى محمداً ، ويصغي إلى الأحاديث المتناثرة فلعله يمسك بخيط فيها يدلّه على النبي ولكن دون جدوى .

توارت الشمس خلف تلال مكّة ، ودبّ المساء ، واقفرت الكعبة من الوافدين ، والرجل الغفاري ما يزال جالساً ينتظر ، وقد اعتصر اليأس قلبه .. مرّت لحظات فدخل شابٌ حرم المسجد وراح يطوف حول البيت العتيق ؛ ودار حوار مقتضب بينه وبين القادم الغريب :

_ من الرجل ؟

_ من غفار .

_ قم إلى منزلك .

وأكبر الرجل الغفاري سماحة الفتى المكّي فنهض معه إلى منزله , و امضى الغفاري ليلته في بيت أبي طالب ، فوجد من الكرم

العربي والسماحة ما بعث في قلبه الأمل ولم يكن الغفاري ليعلم من يكون هذا الفتى ؟

وفي الصباح عاد الرجل الغريب ادراجه إلى الكعبة وراح كعاده يتصفح الوجوه ويصغي إلى الأحاديث ؛ وحلّ المساء ، ومرّ الفتى والقى كلمته بودّ :

_ أما آن للرجل ان يعرف منزله ؟!


ونهض الرجل الغفاري ملبّيا دعوة الفتى ومضى معه إلى منزل كريم . ويتكرر ذات المشهد في اليوم الثالث ، وقد ارتاح جندب إلى ذلك الفتى الطيب ، وان لم يعرف هويّته بعد . والتزم الرجل الغريب كعادته الصمت وان بدت الحيرة على وجهه فسأل الفتى ضيفه :

_ اراك متفكراً ففيم تفكر ؟

ووجد الغريب نفسه يصارح الفتى بشيء من الاحتياط :

_ ان كتمت عليّ خبرتك .

_ أكتم عليك ان شاء الله .

وارتاح الغريب لكلمة حبيبة إلى قلبه ؛ فافصح عن مهمّته التي جاء من أجلها مكّة :

_ بلغنا انه قد خرج هنا رجل يزعم انه نبي فأردت أن القاه .

_ اما انك قد رشدت اتبعني حيث اذهب ، فان رأيتُ احداً اخافه عليك قمت إلى الحائط كأني اصلح نعلي فامض في طريقك .

وهكذا سار الفتى وسار خلفه الرجل الغفاري ، حتى وصلا منزل النبي ، واسفر اللقاء عن اسلام جندب الذي اصبح اسمه « أبا ذر » ، ولم ينسَ المسلم الجديد أن يسأل رسول الله عن الفتى الذي دلّه عليه فاجاب النبي صلى الله عليه وآله باعتزاز :

_ هو ابن عمي وأخي علي بن أبي طالب .


وتحول أبو ذر منذ تلك الليلة الحاسمة في حياته إلى بركان بعد أن اضطرمت في اعماقه حقيقة الايمان فهتف بعزم :

_ والذي بعثك بالحق نبياً لأصرخنّ بها في المسجد الحرام .

ما أن أشرقت شمس اليوم التالي حتى كان أبو ذر في وسط المسجد يتحدى جبروت قريش وهو يهتف بصوت جهوري :

_ يا معشر قريش اني اشهد ان لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله .


ولقد هزّت الصرخة الوضع السائد ليبدأ فصل جديد في تاريخ الإسلام .


___________

( 1) في عام 570 م زحفت جيوش الأحباش بقيادة ابرهة الأشرم باتجاه مكة مستهدفة تدميرالكعبة وتحويل انظار العرب إلى كنيسة « القليس » في محاولة لتنصير سكان شيه الجزيرة العربية ، اضافة إلى اهداف الحملة الاقتصادية في السيطرة على طريق التجارة البري ، وقد تم ذلك بتشجيع من الرومان كحلقة من حلقات الصراع الدولي الكبير الذي نشب آنذاك بين امبراطوريتي الروم والفرس .




« هزيمة الشعر الجاهلي .. »


ورأى زعماء مكّة مواجهة خطر الدين الجديد باستخدام امضى الأسلحة وهو الشعر الذي بلغ العرب فيه الذروة آنذاك ، وهكذا انبرى أبو سفيان بن الحارث وعمرو بي العاص وابن الزبعري وغيرهم إلى مقارعة النبي ، ولكنهم وجدوا أنفسهم خاسرين لدى أول منازلة ولم يصمد الشعر الجاهلي برمّته أمام بلاغة آيات القرآن التي فتنت العربي بحلاوتها وطلاوتها وانسيابها وتأثيرها العميق .

ووقف العربي مشدوهاً أمام ظاهرة بالغية لم تكن لتخطر على باله ؛ وقد نصح الوليد بن المغيرة قريشاً بعد أن اعترف قائلاً : ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وانه ليحطم ما تحته ، وانه ليعلو ولا يعلى عليه ؛ نصحهم ان يقولوا : « ما هو إلا سحر يؤثر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده » .

وقد لج كفار قريش في صراعهم مع النبي وقالوا أن ما يردده محمد لا يعدو أن يكون اساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة واصيلا ؛ وينبري النضر بن حارث إلى ترديد اساطير قديمة من قبيل حكايات « اسفنديار ورستم » الفارسية الأصل ، واتخذ مكانه في المسجد الحرام حيث يجلس النبي لتلاوة القرآن ، ولم تجد كل المحاولات في صرف المأخذوين بروعة البيان السماوي عن الاصغاء لـ ( محمد )، ولم يجدوا سبيلاً سوى ابداء الناصئح قائلين : « لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون » . !

اننا نذكر ذلك لأننا سنجد الفتى علي بن أبي طالب سوف يبهر العرب ببلاغته بعد عقود من السنين ، فلقد تشرّب آيات السماء منذ اعتناقه الأسلام يوم الثلاثاء . ( * )

_______

(*) تذكر كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه بعث يوم الاثنين وصلّى علي يوم الثلاثاء



« سنوات الرماد .. »

تفتق ذهن ابي جهل عن فكرة شيطانية تقضي بمقاطعة بني هاشم اقتصادياً واجتماعياً ، وقد تحمس لها زعماء قريش فحرّروا بذلك صحيفة قاسية وقعها اربعون رجلاً منهم يمثلون طوائف قريش ؛ وعلّقت الصحيفة في جوف الكعبة لكي تكتسب صفة مقدّسة .

جدير بالذكر ان فكرة المقاطعة هذه قد تم تداولها في « دار الندوة » وهو المكان الذي تجتمع فيه قريش لمناقشة القضايا المصيرية .

وكان أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وآله في مستوى التحدّي الجديد ، فنصح قبيلته بالنزوح إلى احد أودية مكّة لأن روح المقاطعة يتضمن شكلاً من اشكال اعلان الحرب ، وبات من المتعذر على المحاصرين مغادرة الوادي إلا في موسمي الحج والعمرة ؛ وقد تفقد أبو طالب الثغرات الموجودة في الوادي وبنى فيها تحصينات منيعة للحؤول دون تسلل من يهمة الاعتداء على حياة النبي الذي اضحى رمزاً لأكبر تحدٍ يواجهه بنو هاشم وبنو عبد المطلب ( * )

ولقد كانت تجربة الحصار تجربة مريرة عانى فيها المحاصرون من الجوع والظمأ ولكنهم صمدوا حتى النهاية وكان أكبر همّ أبي طالب (حماية النبي بأي ثمن) ، واصبح من المشاهد المتكرّرة انه كان يطلب من ابن اخيه العظيم أن يأوى إلى فراشه في ساعة الغروب حتى يراه الجميع ، فاذا غمر الظلام الوادي طلب من ابنه علي أن ينام في فراش ابن عمّه فاذا كان هناك من يراقب النبي ويترصّده ليعيّن مكانه قبل أن يتسلّل لتنفيذ جريمته فانه سوف يطعن قلب علي وبذلك ينجو محمد صلى الله عليه وآله وتستمر رسالة السماء .

وليس هناك ما يفسر هذا الموقف سوى الايمان .. الايمان العميق لذلك الشيخ الوقور والسيّد المهاب .

ولنتصور مشاعر ذلك الفتى الشجاع وهو يتقدم كل ليلة طائعاً لينام في فراش رجل تترصّده عيون الحقد وسهام الغدر ، انه يعانق الموت كل ليلة فداءً للحبيب محمد صلى الله عليه وآله .

ولقد استمرت أيام الحصار ثلاث سنين وكانت الارضة تقضم خلالها البنود الظالمة فلم تترك في الصحيفة سوى كلمة مقدّسة هي باسمك اللهم .

ولقد بلغت النذالة لدى زعماء قريش انهم كانوا يشترون ما يعرض من طعام في مكة لتخلوا الأسواق منه في الأيام التي يخرج فيها المحاصرون في موسم الحج حتى إذا جاءوا ليشتروا طعاماً لم يجدوا شيئاً فيعودوا لمواصلة رحلة الجوع المضنية .

واستكملت الارضة التهام الصحيفة الظالمة ما خلا باسمك اللهم واتصلت السماء بالأرض ، وجاء محمد يبشر عمه أبا طالب ووقف زعماء مكّة مذهولين أمام معجزة السماء ، لقد قهرت هذه الحشرة الصغيرة كبرياء قريش ، مرّغت غرورهم بالوحل .


ولنتخيل فرحة الصغار وهم يعودون إلى احضان مدينتهم بعد معاناة طويلة في الوادي

______

(*) استثني من المقاطعة كل من ابي لهب وابي سفيان الحارث بن عبد المطلب .





« العام الحزين .. »



مضت شهور على انتهاء الحصار وكان أبو طالب الذي تخطّى الثمانين يخطو صوب النهاية .. نهاية كل الحيوات لقد هدّته السنون والحوادث .

وقف علي يتأمل أباه بعينين غارقتين بالدموع ، لقد توقف القلب الكبير ,, وسكنت تلك الأنفاس الدافئة ووقف النبي صلى الله عليه وآله يبكي بمرارة وهو يؤبن الراحل الكبير :

_ رحمك الله يا عم .. ربيتني صغيراً وكفلتني يتيماً ونصرتني كبيراً ..

ولم يجد أحداً يواسيه سوى أخيه وربيبه فعانقه وقد اجهش بالبكاء .

ويسدد القدر سهماً آخر واذا بخديحة تلك الزوجة المؤمنة الوفية تسقط هي الاُخرى فريسة المرض ولم تلبث أن ودّعت زوجها العظيم .

يا لعذاب الأنبياء يا لصبر محمد ! الزمان يتخطّف احبّته مذ كان جنيناّ في بطن امه وعندما بلغ ست سنين ويوم بلغ الثامنة ؛ غير أن أبا طالب لم يغادر الدنيا حتى خلف فتى يفدي أخاه بروحه ، ولم ترحل خديجة حتى قدّمت لزوجها فتاة تذوب حناناً ورحمة لأبيها .

بدأ زمن الزمهرير والذئاب التي كانت تهاب أبا طالب ذات يوم ، هي الأن تعوي ، عيونها تبرق حقداً وقد ذرّ الشيطان قرنيه (*)


_____

(*) قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والله ما نالت قريش مني شيئاً اكرهه إلا بعد موت ابي طالب .




«الحياة في موتكم قاهرين .. »


سوف يبقى الموت والحياة لغزاً في حياة البشر ، فالضباب الذي يهيمن على العيون سوف يحجب الرؤية بوضوح لمن يريد الخلود فأي الطريقين يسلك طريق الموت ام طريق الحياة ؛ دعنا نراقب منزلا كريماً في مكّه وقد مضت ثلاثة عشر عاماً على هبوط جبريل في غار حراء .

شعر المشركون بالخطر وهم يرون ابناء مكّة يفرّون بدينهم متجهن شمالاً إلى مدينة يثرب لقد قيضّ الله لهم قوماً لنصرة رسالة السماء ، وقد تتابعت هجرة المسلمين حتى اقفرت احياء بكاملها(*) .

وأدركت قريش ان وقوفها مكتوفة الأيدي يعني تنامي الخطر يوماً بعد آخر ؛ وانبرى أبو جهل ليضع خطّة جهنمية لتصفية محمد إلى الأبد .

وهبط جبريل يفضح خطّة الشيطان لاطفاء النور اللذي اضاء جبل حراء وسوف يضيء العالم بأسره :
ـ« واذ يمكن بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين » .
وفي تلك اللحظات التاريخية بدأت واحدة من أعظم قصص الفداء في تاريخ الإنسان . ولا يمكن للمرء أن يتصور مهما أوتي من سعة الخيال ان يتصور مشاعر شاب في الثالثة والعشرين من عمره وهو يتقدم إلى معانقة الموت .

تسارعت الأحداث بشكل مثير ، ونسجت قريش اخطر مؤامراتها كما تنسج العنكبوت بيتاً هو أوهن البيوت ، ودعا النبيابن عمه الحبيب واطلعه على فصول المؤامرة ؛ وكان المطلوب من علي ان يرقد في فراش النبي وكان همّ ابن أبي طالب الوحيد هو أن يسأل :

_أو تسلم يا رسول الله أن فديتك بنفسي ؟(*)

_نعم ... بذلك وعدني ربّي .

وارتسمت مشاعر فرح على وجه علي ، وتقدم إلى فراش النبي ليرقد بسلام آمناً مطمئناً ، فيما كانت عيون اربعني ذئب تبرق في الظلام ، وتمرّ اللحظات مثيرة وانسلّ رسول الله خارجاً من المنزل متجهاً صوب الجنوب إلى غار في جبل ثور .

واقتحم المتآمرون منزل رسول الله والسيوف تبرق في غبش الفجر وكانت المفاجأة ان هبّ علي من الفراش واسقط في ايديهم . وشهدت مكّة في الساعات الأولى من الصباح حركة غير عادية لقد فرّ الإنسان الذي ارسلته السماء ليغمر الأرض بنور ربّها . فرسان الدوريات تبحث في كل مكان ، وقد رصدت قريش الجوائز المغرية لمن يأتيها بمحمد حيّاً أو ميتاً أو يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه .

ومكث علي في مكّة أياماً كان أياماً كان خلالها يتجه إلى الا بطح في الغدوّ والأصال فينادي :

_ ألا من كانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدّى له أمانته .


______


(*) مرّعتبة بن ربيعة بدور بني جحش وكانت خالية تماماً فانشد : وكل دار وان طالت سلامتها * يوماً ستدركها النكباء والحوب

(*) وفي هذا نزل قوله تعالى : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله » .




« رسالة من قبا .. »


وصل سيدنا محمد « قبا » (*) وحط رحله في تلك البقعة من ارض الله ؛ ومن قبا بعث النبي صلى الله عليه وآله رسالة إلى ابن عمّه يأمره فيها بالقدوم ، وانطلق أبو واقد الليثي إلى مكّة وسلّم الرسالة علياً .

ترى لماذا هذا الاصرار على انتظار علي ؟
لماذا ظلّ النبي على أبواب المدينة حتى يقدم ابن عمه وأخوه ؟


ولقد وقف التاريخ الهجري ينتظر تلك اللحظات الدافئة في لقاء محمد وعلي هناك في اعماق علي سرّ عجيب ، عندما تضطرم الحقيقة الكبرى في الذات الإنسانية فتحيل كل ما حولها اشياءً متألّقة بضوء لا يستمد شعاعه من شمس ولا قمر أنه الضوء القادم من قلب السموات وهكذا كان ايمان ذلك الفتى أنه لا يعرف في الوجود سيّداً غير محمد .. محمد الذي فتح عينيه على ينابيع النور في سفوح حراء .


لا شيء في الاُفق سوى الرمال وذلك الخط الأزرق الذي يعانق سمرة الرمال ، ولاحت قافلة تسير على هون قافلة فيها أربعة فواطم .. فاطمة بنت اسد وفاطمة بنت محمد ، وفاطمة بنت الحمزة وفاطمة بنت الزبير . وفي « ذي طوى » كان المقهوون ينتظرون علياً لينقذهم من القرية الظالم أهلها ، وسارت القافلة تشق طريقها في بطون الأودية ، ولا شيء سوى السماء الزرقاء والرمال السمراء .

علي يعرف اشياء كثيرة ... منذ عشرين سنة وهو يرافق رجلاً اختارته السماء ، انه لا يرافقه فحسب بل يذوب فيه يندمج معه .. لهذا فهو يعرف سرّ العالم .

شيء واحد كان يجهله تماماً لا يعرف له معنى هو الخوف ، لقد وقف الإنسان عاجزاً أمام لغز الموت نهاية كل الحيوات ، هل هو نهاية ؟ أم بداية ، ولكن علياً الذي اكتشف نبع الخلود قهر الموت أكثر من مرّة وكان الموت يهرب منه ، يفرّ من بين يديه كلما اراد عناقه .

لقد التحف قبل أيام ببردة النبي واغمض عينيه في فراش تغمره رائحة الفردوس ، انه يقدّم نفسه قرباناً لأخر الأنبياء في تاريخ الإنسان ؛ وإذا كان اسماعيل قد اسلم وجهه لله فأنّه كان يدرك أن أباه سيذبحه على هون ، ولكن علي أغمض عينيه ليفتحمها على عشرات الخناجر المسمومة ولسوف تبضعه وسوف تتدفق دماؤه من خلال مئات الجراح .

لقد تنافست الملائكة من أجل الحياة ، لم يفد جبريل ميكال اختار كلاهما الحياة ولكن الإنسان الذي صاغته السماء حطّم حاجز الموت كسّر قضبان الزمن الصدئة واختار الفداء (*) .

القافلة تطوي المسافات حتى إذا وصلت قريباً من « ضجنان » ادركها « الطلب » واذا بثمانية فرسان يعترضون القافلة يريدون اعادة التاريخ إلى الوراء ، وفي ذلك المكان فوجئت جزيرة العرب بـ « ذو الفقار » يتألق في دنيا الفروسية ؛ كانوا ثمانية فرسان يريدون اعادة القافلة ألى مكّة .. إلى القرية الظالم أهلها .. العيون تبرق حقداً ؛ هتف فارس لم يكتشف علياً بعد :

_ أظننت يا غدّار أنك ناج بالنسوة .. ارجع لا أباً لك .

اجاب علي بثبات جبل حراء :

_ فان لم أفعل ؟

_ لترجعن راغماً .

واغار « جناح » (*) على النوق لا ثارتها فاعترضه علي فأهوى عليه جناح بضربة تفاداها علي وسدّد له ضربة جبّارة ، « فقضى عليه » ؛ تسمر الباقون وقد اذهلتهم المفاجأة انهم لم يروا في حياتهم ضربة كهذه ؛ صاح احدهم وقد رأى الفتى يستعد لشنّ هجوم معاكس :

_ احبس نفسك عنّا يا ابن ابي طالب .

وهتف علي كأنما يتحدّى العالم الوثني باسره :

_ اني منطلق إلى أخي وابن عمّي رسول الله .

وانطلقت القافلة صوب يثرب ، وكان رسول الله ما يزال ينتظر في قبا ؛ ووقف التاريخ الإنساني ينتظر قبل أن يلج عهداً جديداً من فصوله المثيرة في المنعطفات التي تغيّر فيها المدن اسماءها (*).

وفي السادس عشر من ربيع الأول الموافق 20 أيلول عام 622 للميلاد وصلت قافلة التاريخ الهجري مدينة يثرب وكانت الحشود المسلمة تحدّق في « ثنيّات الوداع » تترقب وصول آخر الأنبياء في تاريخ البشرية .

وكانت « القصوى » تشق طريقها إلى بقعة اختارتها السماء لتكون ؛ منزلاً ومسجداً وطهورا ؛ وتوقفت الناقة في « مربد » (*) لغلامين يتيمين من بني النجار .

وبوشر العمل في بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وكان ذلك ايذاناً بميلاد امّة جديدة ؛ وانسابت كلمات الأذان معبّرة أخّاذة كلحن قادم من السماء .



_______

(*) قرية على بعد ميلين من المدينة المنورة .
(*) أوحى الله إلى جبريل وميكائيل اني قضيت على احدكما بالموت ، فايكما يفدي صاحبه ؟ فاختار كلاهما الحياة ؛ فاوحى إليهما هلا كنتما كعلي لقد آخيت بينه وبين محمد وجعلت عمر أحدهما اطول من الآخر فاختار علي الموت وآثر محمداً بالحياة ، اهبطا فاحفظاه من عدوه » | تاريخ اليعقوبي ، اسد الغابة لابن الأثير ، احياء علوم الدين للغزالي .

(*)مولى لحرب بن أمية .

(*) اكتسبت يثرب اسماً جديداً هو « مدينة الرسول » .

(*) مكان يجفّف فيه التمر .



لازال هناك بقية ... كونوا هناااإ


من مواضيعي

0 ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله (ص) !
0 قبر راحيل عليها السلام - ( أم نبي الله يوسف . ع )
0 أكذوبة السير على القمر .. وثائقي بالصور !!
0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !
0 هل جربت يوما تلقي مساج السمك Fish Spa ؟


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 08-05-2010, 06:36 AM   #4
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
افتراضي

« ومرّ عام .. »


استقبلت المدينة المنورة عامها الثاني بالأمل فالحياة الجديدة تتدفق والمسلمون أمّة واحدة ؛ وفي الخامس عشر من شعبان هبط جبريل يعلن تحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ؛ وفي غمرة هذا العام المبارك تقدّم عليّ الذي بلغ من عمر خمسة وعشرين سنة إلى خطبة فاطمة بنت رسول الله وتم الزواج المبارك في مراسم غاية في البساطة رعاها النبي بنفسه ،وقد بلغ من البساطة والشفافية أن ترك بصماته واضحة في التاريخ الإسلامي ؛ وانتقلا الزوجان إلى بيت دافئ مفعم بالمحبّة والسلام (1) .

وتمضي الحياة هادئة كنهر تنثال مياهه على الشطآن ، والمجتمع الوليد ينمو ، يتفتح للعطاو كشجرة اصلها ثابت وفرعها في السماء ؛ ولكن الذين تآمروا في المكّة لاطفاء النور كبر عليهم نجاح محمد لهذا فكّروا ودبّروا فلم يجدو سوى الحصار التجاري سلاحاً لتوجيع شعب آمن بالله وكفر بالأوثان .

وهكذا شحّت الموادّ الغذائية في المدينة وارتفعت الأسعار وتلاعب اليهود بالسوق ؛ ولم يقف سيدنا محمداً مكتوف الأيدي فردّ كيد المكّة إلى نحرها وجرّد حملة عسكرية وقد أُذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير (2) .

وكان هدف الحملة العسكرية اعتراض قافلة تجارية مؤلفة من ألف بعير وتضمّ رؤوس أموال ضخمة ؛ وفي مصادرة هذه القافلة يكون المسلمون المهاجرون الذين صودرت ممتلكاتهم قد استرجعوا جزءً من حقوقهم المغتصبة .

وتسارعت الأحداث بشكل مثير ، واذا بالأنباء تفيد عن تحرك عسكري خطير في مكّة وتقدم جيش مؤلف من الف مقاتل ؛ وكان أمام جيش النبي المؤلف من ثلاثمئة وثلاثة عشر مقاتل من المشاة باستثناء فارس واحد (3) أن يحسم موقفه بين الانسحاب أو المواجهة ؛ وأراد سيدنا محمد معرفة مدى الاستعداد القتالي لأصحابه فوجد لدى المهاجرين عزماً على القتال حتى النهاية ولدى الانصار حماساً في الطاعة يصل إلى اجتياز البحر الأحمر (4) ، وفي فجر السابع عشر من رمضان وقرب آبار بدر التحم الجيشان في معركة ضارية اسفرت عن انتصار ساحق للجيش الإسلامي وسقوط سبعين قتيلاً من المشركين ؛ وفي ذلك اليوم الخالد ارتفع اسم علي عالياً في سماء الشجاعة والفروسية (5) .



(1) عن علي عليه السلام قال صاح بي رسول الله : يا علي ، فقلت لبيك يا رسول الله ، فقال : ادخل بيتك وألطف بزوجتك وارفق بها ، فان فاطمة مضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرّني ما يسرّها :
يقول علي عليه السلام : فوالله ما اغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزوجل ولا اغضبتني ولا عصت لي امراً ، ولقد كنت انظر اليها فتنكشف عني الهموم والأحزان .

***

(2) في أواخر السنة الأولى من الهجرة هبط الوحي يأذن للمسلمين بقتال المشركين ، الآية : 31 من سورة الحج .

***

(3) المقداد بن عمرو الكندي .

***

(4) اشارة إلى خطبة سعد بن معاذ الحماسية .

***

(5) عدّ القتلى بسيف علي فكانوا خمسة وثلاثين .





«إلا ذو الفقار .. »

نجم عن هزيمة المشركين الساحقة في بدر ان غيّرت قريش طرقها التجارية من الشام إلى العراق ، وبالرغم من صعوبة ذلك وجهل قريش بالطرق الجديدة إلا أنها فضّلت ذلك مرغمة بعد أن اصبحت قوافلها التجارية على طريق الشام مهددة .

وفي مكّة كانت هند زوجة أبي سفيان تتحرّق حقداً وتترقب ساعة الانتقام والثأر وكان حقدها ينصب على ثلاثة نفر هم محمد صلى الله عليه وآله وعلي وحمزة ؛ وقد رفضت تلك المرأة البكاء والنوح على أبيها عتبة وأبنيه لتحتفظ بأكبر مخزون من الحقد وروح الانتقام ، ويمكن القول ان معركة أحد ، انما جاءت استجابة عمياء لروح الثأر التي ينطوي عليها عرب الجاهلية ، و هند وراء حماس ابي سفيان في صراعه مع الإسلام مع ان البيت السفياني لم يكن اقلّ حقداً من غيره على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله (1) .

وفي شوّال وقد مرّت الذكرى الأولى لأكبر وأول انتصار اسلامي قرب عيون بدر بدأ المشركون بقيادة أبي سفيان زحفهم باتجاه المدينة ، وقد خرجت هند ومعها بعض النسوة يحملن الدفوف وينشدن اشعار الثأر ، التي تخرج عن دائرة الحياء (2) .

تلقّت المدينة الانباء وبدأت الاستعدادات للمواجهة بعد جدل في المسجد ولكن النبي صلى الله عليه وآله وقد رأى حماس الشباب في القتال خارج المدينة لبس لامة حربه وحسم الأمر ، وتحرّك الجيش الإسلامي ؛ المؤلف من ألف مقاتل ، ولكن رأس النفاق اتن أبي سلول قرر العودة ومعه ثلاثمئة مقاتل محدثاً بذلك شرخاً واسعاً في صفوف القوات الإسلامية وهي على وشك الاشتباك وقد رأى بعض الصحابة مواجهتهم ولكن النبي رفض ذلك وفي جبل أحد (3) التقى الجمعان ، وضع النبي صلى الله عليه وآله خطة المواجهة مؤكداً على احتلال مرتفعات جبل « عينين » وتمركز قوّة من امهر الرماة مؤلفة من خمسين جندي مهمتها الدفاع وحماية مؤخرة الجيش الإسلامي من حركة التفاف قد يقوم بها العدو .

رتب المشركون قواتهم في صفوف مستفيدين من تجربتهم المريرة في بدر مقلّدين بذلك الجيش الإسلامي فهي استراتيجية اسلامية في القتال .


اشتعلت المعركة وكانت الجولة الأولى للمسلمين وقد استبسل علي في القتال فكان ينقض على اصحاب اللواء من بني عبد الدار فتساقطوا الواحد بعد الآخر ، وعندما سقط اللواء للمرّة الأخيرة دبّت الهزيمة في قوّات الشرك ، واطلقت هند ساقيها للريح وهي ترى احلامها تذروها رياح الغضب الإسلامي .

وفي تلك اللحظات المثيرة تناسى الرماة وصايا النبي صلى الله عليه وآله وغادروا مواقعهم من اجل الغنائم رغم صيحات قائدهم .


وهنا انتهز خالد بن الوليد الفرصة فقاد فرسانه في حركة التفاف سريعة مفاجئاً مؤخرة جيش المسلمين فحدثت الفوضى وعمّ الارتباك صفوف المقاتلين ، ومن ثم الهزيمة وانتشرت شائعة حول مصرع النبي ، وفي غمرة هذه الفوضى كان سيدنا محمد ومعه بعض اصحابه وفي طليعتهم علي بن أبي طالب يسطرون أكبر ملحمة في المقاومة ، وكانت كتائب الشرك تهاجم بعنف مركز القيادة وكان علي والزبير وطلحة وأبو دجانة والحمزة وحذيفة ومصعب بن عمير وغيرهم يقاتلون ببسالة ، وسقط مصعب شهيداً فاخذ علي اللواء ، وسقط حمزة سيد الشهداء ، والملحمة مستمرة ، والكتائب تندفع نحو رسول الله ، وهو يهتف بـ علي :

_ دونك الكتيبة ،

وأغمي على النبي من شدّة الجراح وأفاق النبي صلى الله عليه وآله ، وقال لـ علي :

_ ما فعل الناس ؟

فاجاب :

_ لقد نقضوا العهد وولوا الدبر ؛

وفي تلك الاثناء انقضت كتيبة مؤلفة من خمسين فارساً فهتف النبي بابن عمه :
_ أكفني هؤلاء .


فانبرى علي وتصدّى لها بمفرده واجبرها على التراجع ؛ وفي تلك اللحظات وفي غمرة الغبار والقتال هبط جبريل قائلاً :

_ يا محمد ان هذه لهي المواساة !

فقال النبي صلى الله عليه وآله :

_ وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه .

فقال جبريل :

_ وأنا منكما .

وسمعت الأذن البشرية في تلك البقعة الملتهبة من دنيا الله صيحة سماوية تملأ الفضاء

( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ! ) ..



***

(1) كانت أم جميل اخت ابي سفيان تحرّض زوجها أبا لهب ضد النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن اخيه حتى نزلت سورة المسد فيهما .

***

(2) انشدت هند قبيل الاشتباك : نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق الدر في المخانق والمسك في المفارق .. ان تقبلوا نعانق ونفرش النمارق .. أو تدبروا نفارق فراق غير وامق .

***

(3) قال فيه رسول الله : جبل يحبّنا ونحبّه .



« ويوم زاغت الأبصار .. »

أسفرت معركة أحد عن زعزعة هيبة المسلمين في الجزيرة العربية إلى حد ما (1) ، ولكن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله اتخذ ما من شأنه استرداد مجد الإسلام ، إذا عبأ النبي صلى الله عليه وآله جيشه بعد يوم واحد فقط من المعركة وقاد حملة لمطاردة جيش المشركين الذين فضلوا الانسحاب مكتفين بما حققوه من نجاح مؤقت ؛ وقد رابط النبي صلى الله عليه وآله في « حمراء الاسد » مدّة ثلاثة أيام والجيش الإسلامي يشعل النيران ليلاً امعاناً في تحّدي المشركين الذين عسكروا في وادي الروحاء لاتخاذ قرار حمل مهاجمة المدينة المنورة ، ولقد كان أبو سفيان يدرك قبل غيره أن النصر الذي احرزه جيشه في أحد كان بسبب مغادرة رماة الجيش الإسلامي مواقعهم ، لهذا قرر العودة إلى مكّة منحنياً للعاصفة .

وما يؤكد هذا الرأي أن قوافل قريش التجارية ظلّت تسلك طرق العراق الأكثر صعوبة ، ومع كل هذا فقد بدأ المسلمون يهددون هذه الطرق أيضاً مما جعل المشركين يشعرون بالذعر ، فالتجارة كانت عصب الحياة في قريش .

وفي السنة الرابعة للهجرة وقع حادث خطير عندما حاول يهود « بني النضير » اغتيال النبي صلى الله عليه وآله ، وقد اخفقت المحاولة في اللحظات الأخيره ونتيجة لهذا الانتهاك السافر لمعاهدة بينهم وبين المسلمين فقد قرر الرسول صلى الله عليه وآله تأديبهم فحوصرت قلاعهم ، وانبرى « عزّوك » لصبّ سهامه على خيمة النبي فابعدت قليلاً عن مرمى السهام ، وقد سقط عزوك في كمين نصبه علي بن أبي طالب فقتل هو وعشرة من أفراده ، واخيراً استسلم يهود بني النضير فتم ترحيلهم من المدينة (2) ، ويبدو أن حيّ بن اخطب زعيم بني النضير قد اختار خيبر وفي رأسه فكرة رهيبة للقضاء على الإسلام .


***

(1) وجد المنافقون واليهود فرصة للنيل من الإسلام وراحوا يرددون ساخرين : إذا كانت بدر آية من الله فماذا عسى أن تكون أية أحد ؟ ! وألبس اليهود الحادث ثوباً دينياً قائلين : ما اصيب بمثل هذا نبي قط .

***

(2) افترقوا إلى قسمين قسم اختار الشام والأخر توجه إلى « الخيبر » .

من مواضيعي

0 لماذا يقولون عن معاوية خال المومنين ؟‎
0 أكذوبة السير على القمر .. وثائقي بالصور !!
0 معنى كلمة الشاطر.. !!
0 شيّعني حرف جرّ في القرآن الكريم .!
0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 08-05-2010, 06:38 AM   #5
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
افتراضي

« العدوان .. »

يمكن القول ان فكرة غزو المدينة على النحو الذي وقع في شوّال من العام الخامس الهجري هي فكرة يهودية وبالتحديد فكرة حي بن اخطب ، الذي وظف ثلاثة عناصر هامّة المال اليهودي ، والحقد القريشي الوثني ، والاطماع الغطفانية بكل عمقها البشري الهائل (1).

وهكذا فوجئت المدينة المنورة بانباء مثيرة حول تجمع قبلي ضخم يرتو على العشرة آلاف مقاتل .

وثار جدل واسع حول اسلوب مواجهة هذا الزحف الكبير وفي غمرة النقاش طرح الجليل سلمان الفارسي فكرة الخندق ، وهي فكرة لم يألفها العقل العربي في تلك الحقبة من الزمن ، وقد حظيت الفكرة بحماس الجميع وتحول سلمان في نظر المسلمين إلى بطل (2) .


وفي ظروف بالغة القسوة بوشر العمل بحفر الخندق في الجهة الشمالية من المدينة وهي المنطقة المكشوفة التي تشكل نقطة الضعف في دفاعات المدينة .

كان الفصل شتاءّ والرياح القارسة تعصف بعنف ، والعام عام مجاعة ، وكان المسلمون لا يجدون في بعض الأحيان ما يسدّ رمقهم (3) على أننا لا ننسى ان شهر رمضان المبارك الذي استوعب مدّة الحفر قد منح المؤمنين ارادة جبّارة جعلت من كل تلك المعاناة عبادة وتقرّبا إلى الله . كما لا ننسى مدى الألم الذي يستشعره المؤمنون وهم يسمعون الشائعات التي يبثها اليهود والمنافقون ، والتي اتخذت في بعض الأحيان طابع السخرية اللاذعة (4)

وبالرغم من كل الظروف المريرة فقد استكمل المسلمون حفر الخندق قبل ثلاثة أيام من وصول جيوش الغزو ، وفوجيء أبو سفيان بخندق هائل يحول بينه وبين كل احلامه المريضة في القضاء على الإسلام .

عسكرت القوات الزاحفة ، وهيأت نفسها لضرب الحصار ومرّت الأيام قلقة مثيرة للأعصاب ؛ رابطت القوات الإسلامية قريباً من الخندق ، وحدثت مناوشات بالسهام وفي غمرة الحصار تناهت إلى النبي صلى الله عليه وآله انباء حول تحركات مشبوهة لبني قريظة ونقضهم معاهدة الدفاع المشترك بل ونيتهم في الانضمام إلى قوات الغزو ، وكانت قلاعهم داخل المدينة مما يتيح لهم طعن الجيش الإسلامي في خاصرته ، سيّما وانّهم يشكلون قوّة عسكرية ضاربة مجهزة باحسن الأسلحة ومؤلفة من ألف مقاتل .

وتفاقمت الأخطار ، وراح المنافقون والذين في قلوبهم مرض يتسللون من المعسكرالأسلامي ليلاً ، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله سوى ألف مقاتل فقط .

وفجأة حدث تطور عسكري خطير عندما نفّذ عدّة فرسان من المشركين مغامرة جريئة في اقتحام الخندق والعبور إلى الجهة الأخرى ، وليس هناك افضل من هذه الآيات في رسم الحالة الخطيرة التي عاشها المسلمون في واحدة من أخطر المنعطفات التاريخية :
« يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فارسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاًشديداً » (5)


راح الفارس المغامر يخطر في مشيته ويقوم باستعراضات استفزازية متحدّياً الإسلام والمسلمين ، وقد وصل به الاستهتار أن هتف ساخراً :

_ ألا من مشتاق إلى جنته ؟!

وللأسف فقد سجّلت معنويات المسلمين ادنى مستوىً لها باستثناء فتى الإسلام علي بن أبي طالب الذي نهض منذ اللحظات الأولى للمواجهة ، فأنقذ بذلك الكرامة الإسلامية وسوف ينقذ المصير الإسلامي من أكبر كارثة .


نهض علي بثباته المعروف وشجاعته وتقدم نحو سيدنا محمد الذي اشرف شخصياً على تجهيزه للصراع (6) .

وعندما انطلق علي إلى ميدان المواجهة الخالدة رفع النبي صلى الله عليه وآله يديه الى السماء لتخترق دعواته الغيوم المتراكمة :

_ اللهم انك قد أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وابن عمي فلا تذرني فرداً وانت خير الوارثين .


وكان من تقاليد القتال الفردي أن يعرّف كل طرف نفسه إلى الآخر ، سأل الفارس المعلّم خصمه :
_ من أنت ؟
_ علي بن أبي طالب .


وهنا تغيرت نبرة الخطاب لدى عمرو بن عبد ودّ العامري فتظاهر بالاشفاق قائلاً :

_ ليبرز إلي غيرك يابن أخي ... انني اكره ان اقتلك لأن أباك كان صديقاً لي (7) .

ودار حوار قصير فقد عرض علي ثلاثة نقاط على خصمه قائلاً :

_ ان قريشاً تتحدث انك تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث خلال إلا اجبته ولو إلى واحدة .
_ أجل .


_ فإني ادعوك إلى الإسلام .

قال ابن عبد ودّ :

_ دع منك هذه .


_ادعوك ان ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكّة .

قال الفارس بكبرياء :

_ اذن تتحدث عني نساء مكّة بالجبن .

وهنا قال علي متحدّياً الوثنية كلّها :

_ اذن ادعوك إلى المبارزة .

وغلت عروق الفارس المعلّم ، فقفز من فوق فرسه وسدّد ضربة إلى فعقره وهذا يعني انه سيقاتل حتى النهاية .

كان عمرو ما يزال في فورة الغيظ فهجم على خصمه وسدّد له ضربة جبّارة اتقاها علي بدرقته ونشب السيف في الحديد وهنا ردّ علي بالمثل فانشب ذا الفقار عاتق الرجل الوثني فسقط على الأرض وانطلقت صيحة نصر من قلب الغبار :

_ الله اكبر .

وادرك الجيش الإسلامي أن علياً قد قتل خصمه العنيد فانطلقت صيحات التكبير وفي غمرة الذهول فرّ رفاق الفارس القتيل متجهين إلى الثغرة التي عبروا منها وسقط أحدهم في اعماق الخندق وراح المسلمون يمطرونه بالحجارة فهتف وهو يتقي الحجارة بيده ويقول :
_ يا معشر المسلمين قتلة اكرم من هذه (8) .



وقد اسفرت المواجهة عن نتائج هائلة إذ تغيّر ميزان القوى لصالح المسلمين سيّما وأن علياً قد رابط ومعه مفرزة من المقاتلين عند الثغرة التي عبر منها المشركون وبهذا يكون قد فوّت آخر فرصة للعدوّ في اقتحام الخندق واجتياح المدينة ومن ثم القضاء على رسالة الإسلام إلى الأبد .

وعاد بطل الإسلام إلى معسكره يبشر رسول السماء بالنصر واستقبله عمر بن خطاب قائلاً :


_ هلا سلبته درعه فانه ليس في العرب درع مثلها .

فقال علي مجسّداً مثل الفروسية والإنسانية :

_ استحييت أن اكشف سوءته .




***

(1) حشدت قبائل غطفان لوحدها ستة آلاف مقاتل .

***

(2) هتف المهاجرون : سلمان منا ، وصاح الأنصار : سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وآله حينئذ قولته المعروفة : سلمان منّا أهل البيت .

***

(3) جاءت فاطمة عليها السلام برغيف إلى أبيها العظيم فتمتم شاكراً : انه لأول طعام يذيقه أبوك بعد ثلاثة أيام !!

***

(4) سخر أحد المنافقين وقد سمع النبي يتحدث عن الفتح الإسلامي القادم ، وافتتاح بلاد الروم والفارس قائلاً : ان محمداً يمنينا كنوز فارس وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط

***
(5) يستمر تيار الآيات في التنديد بمواقف المنافقين وبعض الذين تزلزل ايمانهم ، ثم ينتهي إلى تمجيد موقف المؤمنين . الآيات 9 ـ 25 سورة الأحزاب .

***

(6) ورد في السيرة انه ناوله سيفه ذا الفقار وعممه بعمامته وشيعه بكلمات خالدة قائلاً : « برز الايمان كله إلى الشرك كلّه » .

***

(7) يعدّ عمرو بن عبد ودّ من فرسان العرب المبرّزين قاتل مع المشركين في معركة بدر وأصيب بجروح بليغة منعته من حضور معركة أحد ، ولهذا خرج يوم الأحزاب مُعَلّماً ليعرف ، ويبدو من خلال التأمل في حيثيات مواجهته لعليّ ان شجاعته قد خانته في اللحظات الأخيرة بعد أن عرف أن نصف قتلى المشركين البالغ عددهم سبعين مقاتل قد لقوا مصارعهم على يد علي وحده .

***

(8) سقط نوفل بن عبد الله في الخندق ؛ واستجاب علي عليه السلام فنزل اليه ولم يحرمه من فرصة المبارزة الكريمة .




«
راية الحب الخالدة .. »


ظلّت خيبر تمثل تهديداً خطيراً للوجود الإسلامي ، وكان سيدنا محمد يراقب عن كثب التحركات اليهودية المشبوهة لتحريض القبائل العربية ضد الإسلام سيما قبائل غطفان التي تحركها الاطماع في السلب والنهب .

وتنامى الخطر اليهودي بعد توقيع معاهدة سلام بين المسلمين ومشركي قريش (1) ، التي فُسّرت على أنما تراجع للإسلام وضعف .

وفي شهر صفر من السنة السابعة للهجرة تحرك الجيش الإسلامي المؤلف من ألف واربعمئة مقاتل صوب الحصون اليهودية المنيعة ؛ وانتخب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الطريق المؤدية من خيبر إلى مضارب غطفان للحؤول دون أي تنسيق بينهما أو وصول امدادات عسكرية.

وبالرغم من عنصر المفاجأة الذي وفّره النبي صلى الله عليه وآله بجيشه إلا مناعة الحصون والقلاع اليهودية حالت دون سقوطها رغم تشديد الحصار .

كانت الجزيرة العربية تراقب باهتمام الصراع المصيري خاصّة قريش التي كانت تتمنى أن تدور الدائرة على المسلمين .


اخفقت الحملات الإسلامية المتكررة في تحقيق تقدّم يذكر ؛ وكانت مدّة الحصار وقاربت المؤن على النفاد ، وراح اليهود يسخرون من المسلمين .

وفي تلك اللحظات التاريخية المثيرة هتف النبي صلى الله عليه وآله :

_ لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله .

وبات الجميع وهم يحلمون براية الحب الأزلية . !!




اشرقت شمس اليوم التالي وتطلّع المسلمون إلى من سيمسك بالراية ، ولم يطل الوقت حتى ظهر علي بن أبي طالب والراية تخفق فوق هامته .

قال النبي وهو يوصيه :


_ انطلق يفتح الله عليك .


وجسّد علي المثل الأعلى للجندي المسلم تقدم باتجاه الهدف ثم توقف وسأل دون أن يلتفت إلى ورائه :

_ على ماذا اقاتلهم يا رسول الله ؟

_ قاتلهم حتى يشهدوا ان لا إله الا الله واني رسول الله ؛

وتقدم علي والحماس يملأ صدره حتى إذا اصبح قريباً من الحصن ، رمى بدرعه ليتخفف من وزنه ويكون أكثر قدرة على المناورة والحركة وأمر جنوده أن يفعلوا مثله .

ورأى اليهود في علي بلا درع لقمة سائغة فهبط اليه الحارث (2) ، وهو غارق في الحديد وراح يتهادى بغرور ولم يمهله علي أذ قفز علياً ثم أهوى عليه بضربة مدمّرة فسقط إلى الأرض ، وراح ابطال اليهود يبرزون له الواحد بعد الآخر فيلاقون ذات المصير ، وانقلب الموقف وعم الحماس المسلمين الذين راحوا يسخرون من أبطال اليهود وهم يتساقطون عند قدمي بطل الإسلام .


وهنا يقرر مرحب خوض المعركة المصيرية واعادة روح الثقة بالنفس لدى اليهود .

تقدّم مرحب وهو مثقل بالحديد والزرد ، وفي يده رمح طويل ذي ثلاث رؤوس ؛ وليس في جسده الفارع ثغرة يمكن للسيف ان ينفذ فيها .


سدّد البطل اليهودي رمحه باتجاه صدر علي وايقن اليهود والمسلمين بانها ستكون نهاية لـ علي ولكن البطل الإسلامي تحاشى الضربة وقفز في الهواء عالياً ليهوى بضربة أودعها غضب السماء .

مرّت لحظات مثيرة ثم هوت كتلة الحديد فوق الأرض محدثة دويّا رهيباً وشعر اليهود بالرعب وانكفأوا داخل حصونهم وهنا أعلن علي شارة الهجوم العام .

وفي لحظات سقط القموص (3) وتساقطت بعد ذلك سائر الحصون .

وظهرت علائم الارتياح على وجه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وفي غمرة هذا الفرح وصل جعفر بن أبي طالب من الحبشة على رأس المهاجرين ، وتضاعفت فرحة النبي صلى الله عليه وآله حتى سمع يقول :

_ والله ما ادري بايهما أنا أشدّ سروراً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر .


وعانق علي أخاه بعد فراق طويل .

ان اعظم ما في علي بن أبي طالب هو توازنه العجيب ، فلقد ظل كما هو رغم كل هذه الأمجاد الحربية وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لا يفتأ يذكر فضله واخلاصه وكان علي يزداد حبّاً وولاءً
لمعلّمه ومربّيه واخيه العظيم .



***

(1) صلح الحديبية .

***

(2) أخو مرحب .

***

(3) أقوى حصون خيبر .








« آية في الطهر .. »


رزق الله علياً صبيين هما ريحانتي رسول الله (1) وتبلور مفهوم أهل البيت عليهم السلام ؛ وها هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ينثر كلمات سماوية ليجعل لهم مكاناً في قلوب المؤمنين . ليكونوا نجوماً في الأرض يهتدي بها الحائرون (2) ، وسفينة انقاذ تشق عباب الأمواج الثائرة فينجو بها الراكبون (3) ، وباباً للرحمة والمغفرة (4) . وفي بيت أم سلمة هبط الملاك بآية الطهر فالسماء تريد أن تطهّر أهل البيت ، وتجعل من ذويه أمثلة للناس جميعاً ، وتصفّد جبين محمد صلى الله عليه وآله وهو يتلقى كلمات من ربّه : « انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » .


واستدعى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله أخاه وابنته وسبطيه ، ليضمهم اليه قائلاً : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .




***

(1) : ولد الإمام الحسن عليه السلام سنة 2 هـ منتصف رمضان ، وولد الإمام الحسين في شعبان سنة 3 هـ .

(2 ) : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض .

(3) : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق .

(4) : مثل أهل بيتي كباب حطّة في بني اسرائيل من دخله غفر له .

***





« آل محمد .. »

ستبقى سورة آل عمران (1) شاهداً على مكانة أهل البيت ، فهذه الاسرة الكريمة التي مسّتها السماء فطهّرتها من أدران الأرض وباركتها آخر النبوّات ستبقى وإلى الأبد معالم في الطريق إلى الله .

في حدود السنة السابعة للهجرة ، والجدل اليهودي الإسلامي في ذروته جاء وفد نجران ، فالنصارى يريدون أن يدلوا بدلوهم ويقولوا كلمتهم في غمرة الجدل الديني .

جاءوا يجادلون في طبيعة المسيح .. انه ابن الله ، انه لا ينتمي إلى عناصر الأرض .

واستقبل النبي صلى الله عليه وآله الوفد المؤلف من ستين مسيحياً يتقدمهم « العاقب » (2) و« الاسقف » (3) .

استقبل النبي ضيوفه بودّ وخاطبهم بأدبه العظيم :

_
« يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله » (4) .

وشرح لهم آخر الأنبياء توحّد المسار النبوي عبر التاريخ :


_ « آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير » (5) .

وتساءل الوفد عن طبيعة المسيح ولم يكن له أب فهو ابن الله .

قال النبي صلى الله عليه وآله بلغة السماء :

_ « وما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامّه صدّيقة كانا يأكلان الطعام » (6) .

وتساءل الاسقف عن طبيعة المسيح وقد ولد من غير أب ولدته العذراء البتول ؟!

وكان جواب السماء :

_ « ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب هم قال له كن فيكون » (7) .

واستاء الوفد ورفض أن يكون « يسوع » منتمياً إلى الطين وهكذا وصل الجدل إلى طريق مسدود فـ « لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم » (8) وعندما وصل الجد ذروته هبط جبريل يحمل بلاغ السماء :

_ « فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين » (9) .

وفوجئ الوفد المسيحي بدعوة النبي صلى الله عليه وآله للمباهلة وتحكيم السماء فارجأ الأمر إلى غد .

وأشرقت الشمس وخرج النبي في موكب عجيب ، كان يحمل سبطه « الحسين » وقد أخذ بيد سبطه الآخر « الحسن » وكانت فتاة نحيلة القوام تمشي خلف أبيها العظيم ولم تكن سوى البتول « فاطمة » وكان زوجها يمشي خلفها .

وقف الاسقف مشدوهاً وهو يتأمل وجوهاً مضيئة وفي فلاة تمتد بامتداد الافق جثا آخر الأنبياء في التاريخ . وجثا خلفه أهل بيته ، والتفت النبي اليهم قائلاً :

_ إذا أنا دعوت فامّنوا .

تمتم الاسقف :

_ جثا والله كما يجثوا الأنبياء .

وخاطب النصارى ناصحاً :

_ اني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله وهتف محذراً :

_ انظروا إلى الشمس قد تغيّر لونها والافق تنجع فيه السحب الداكنة .

وتقدم الاسقف إلى سيدنا محمد وخاطبه متودّداً :

_ يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك ، ولكن نصالحك .

وهكذا انسحب الوفد المسيحي في آخر لحظة ، وقال النبي صلى الله عليه وآله بعد أن عاد الوفد إلى دياره :

_ « والذي نفسي بيده أن العذاب تولّى على أهل نجران ولولا عفوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً » (10) .

لقد كشفت السماء المدى الذي وصل اليه علي بن أبي طالب عليه السلام من السمو حتى اصبح نفس النبي صلى الله عليه وآله .


وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله نفسه هذه الحقيقة في الحديث النبوي الشريف ؛ وهو يخاطب علياً عليه السلام قائلاً : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي .

ومن يستكشف حياة هارون وعلي عليه السلام سوف يجد نقاط لقاء عديدة في حياة الرجلين ، وان عذابات علي هي امتداد لعذابات الأنبياء .




***

(1) اشارة إلى الآية 61 من السورة .

(2) الزعامة السياسية .

(3) الزعامة الدينية .

(4) آل عمران : 64 .

(5) البقرة : 285 .

(6) المائدة : 75 .

(7) أل عمران 59 .

(8) البقرة : 120 .

(9) آل عمران : 61 .

(10) مسند أحمد 1 : 185 .


***



« مشاهد وآيات .. »

المشهد الأول : جلس العباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة يتفاخران .

العباس : اُوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد .. سقاية الحاج .
طلحة : وأنا اُتيت عمارة المسجد الحرام .
ومرّ علي بن أبي طالب ليذكّر بالقيم الجديدة :

_ وأنا اُتيت على صغري ما لم تؤتيا ..
_ وما الذي اُتيت يا علي ؟!
_ ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله ورسوله .

نهض العباس غاضباً ودخل على رسول الله صلى الله عليه وآله :

_ أما ترى ما استقبلني به علي ؟!
_ ادعوا لي عليّاً .

وجاء علي :

ـ يا رسول الله أصدقته الحق فان شاء فليغضب وان شاء
فليرض .


ومرّت لحظات صمت ، وتألقت حبّات عرق على جبين النبي صلى الله عليه وآله ... لقد هبط جبريل يحمل آية :

_ « أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله » (1) .


المشهد الثاني : في بيت فاطمة وقد جلس علي وزوجه وجارية اسمها فضة ، وكان الحسنان مريضان .

وجاء سيدنا محمد صلى الله عليه وآله يعودهما ومعه صاحبيان قال أحدهما :

_ يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً ان عافاها الله .

قال علي عليه السلام :

_ اصوم ثلاثة أيام شكراً لله .

قالت فاطمة :

_ وانا كذلك .

وقالت فضة :

_ وأنا أيضاً .

وقال الحسنان :

_ ونحن نصوم .


وبعد أيام البس الله المريضين ثوب العافية حان وقت الوفاء بالنذر فلقد نهض الحسنان من فراش المرض .. وعادت الى وجهيهما دماء العافية ، والسماء تنتظر نذراً نذره الإنسان .. نذراً يقدّمه إلى نفسه ليكون قريباً من عوالم مغمورة بالنور ..
لا شيء في منزل فاطمة .


انطلق علي إلى شمعون رجل من خيبر ؛ رجل شهد انهيار حصون مليئة بالسلاح .. بالذهب .. بالذكاء أمام رجل لا يملك سوى سيف وقلب تنطوي في حناياه النجوم . وها هو اليوم يأتي يطلب شيئاً عجيباً .. انه يطلب قرضاً ثلاثة أصواع من شعير .. الرجل الذي اقتلع باب « القموص » (2) وقهر خيبر ... جاء يطلب حنفة من شعير .. وامرأته بنت محمد تملك أرض « فدك » .

تمتم شمعون وقد هزّته المفاجأة :


_ هذا هو الزهد الذي اخبرنا به موسى بن عمران في التوراة .

طحنت فاطمة صاعاً .. الرحى تدور و« فضّة » فتاة تعيش في منزل فاطمة .. تجمع الدقيق .. صار الدقيق عجيناً .. ثم خمسة أقراص لكل صائم قرص شعير !


أنجم المهيب يهوي باتجاه المغيب .. يرسل أشعة الوداع يعلن نهاية يوم من حياة الإنسان والأرض .. الاسرة الصائمة تتهيأ للافطار .. لقمة خبز تقيم أود الجسد الآدمي ليكمل رحلته باتجاه النور .

هتف انسان جائع :
_ مسكين ! اطعموني اطعمكم الله .


وحده الصائم في لحظة الافطار يدرك آلام الجياع عندما تتلوى المعدة خاوية تبحث عن شيء تمضغه وإلا مضغت نفسها .

قدّم الصائمون خبزهم .. وافطروا على الماء .. واستأنفوا رحلة الجوع .. الجوع زاد المسافر في ملكوت السماء .. حيث تلال النور وبحيرات تزخر بالنجوم .. الجوع يلجم الشيطان القابع في الظلمات .. يسحقه فاذا هو خائر كثور محطّم القرون .

ومرّ يوم آخر والصائمون في رحلة اكتشاف ينابيع الحبّ الأزلي .. وكل شيء آيل إلى الزوال إلا الحبّ .. والحبّ نداء الله إلى النفوس البيضاء .

ومرّ يتيم .. يا لوعة اليتم في ساعة الغروب .. الكائنات تعود إلى أوكارها والطيور إلى اعشاشها والاطفال إلى احضان زاخرة بالدفء ، وفي ساعة الغروب تتجمع الدموع في عيون اليتامى كسموات مشحونة بالمطر ... يتجمع البكاء في القلب .. والمرارة في
النفس فكيف إذا اجتمعت مع الجوع .. وهل تتحمل نفوس الأطفال البرد والجوع !!

نادى اليتيم في لحظة الغروب الحزين :

_ اطعموني .. مما اطعمكم الله .

هناك في اعماق النفوس البيضاء كنوز من اللذة اني منها لذائذ البطن .. فكيف مع نفوس براها الجوع والنذر حتى عادت شفافة كالضياء ساطعة كالنور ..

لبّي الصائمون نداء اليتيم .. فباتوا ليلتهم يطوون رحلة مضنية تكاد تمزّق الجسد وتحيله إلى حطام .. حيث يشهد عالم الإنسان اللانهائي انتصار الملائكة وهزيمة الشيطان .. إلى الأبد .

السماء تراقب نفوساً في الأرض تطوي مسافات الجوع وفاءً بنذرها ؛ وفي اليوم الثالث مرّ أسير ينشد لقمة خبز أو تميرات .

الأجساد ترتعش أمام امواج الجوع .. العيون غائمة .. والوجود يغمره ضباب ودخان .. ورياحين النبوّات تهتز .. تذبل أو تكاد .. والنفوس تشتد نصوعاً والورود تضوّعاً ..

فاطمة تزداد نحولاً .. غارت عيناها .. وصوتها زاد وهنا على وهن وهي قائمة تصلّي في المحراب ..

وفي منزل آخر الأنبياء هبط جبريل يحمل هدية السماء ... سورة الإنسان وانها :
بسم الله الرحمن الرحيم « هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * انا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا * انّا هديناه السبيل اما شاكراً وامّا كفورا * انّا اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالاً وسعيرا * انّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيرا * انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكورا * انا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قنطريرا * فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقاهم نضرةً وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً * انّ هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا ... » .

ورأت فاطمة في تلك الليلة ما لا عين رأت وسمعت ما لا أذن سمعت ولم يخطر على قلب بشر ... »

المشهد الثالث : الشمس تغمر مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالضوء .
الرسول صلى الله عليه وآله والذين آمنوا يصلّون خلفه صفوفاً ؛ الصمت يغمر المكان ما خلا تمتمات الصلاة .

ولما انفتل النبي صلى الله عليه وآله من الصلاة دخل اعرابي .. يحكي في
هيئته عناء الصحراء وقسوتها ، الثياب مهلهلة ممزّقة خرّقتها ريح السموم ، والعينان غائرتان منطفئتان ذهبت ببريقهما مرارة الأيّام .

لم يجد الاعرابي سوى اللجوء إلى رسول السماء .. إلى ظلال وارفة ، واحة مضمخة بشذى جنّات الفردوس . واطلق السائل صيحة استغاثة ، فخلف جدران المسجد صبية وبنات .. اجساد عارية تنشد الستر ، وبطون خاوية تبحث عن رغيف الخبز .
وظلّت نداءات الاعرابي دون جواب ، ورمق الاعرابي السماء بعينين غارقتين في حزن مرير :


_ اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً .


وفيما كان الاعرابي يهمّ بالانصراف رأى رجلاً يومي إليه .خفّ اليه الاعرابي بلهفة كان الرجل يصلّي كان راكعاً لله ويده ممدودة ، لم تكن الكفّ خالية ففي الخنصر خاتم فضي . نزع الاعرابي الخاتم ، وعادت كفّ الرجل خالية .

ومضى الاعرابي فرحاً فيما ظلّ الرجل يصلّي لله . وتأثر النبي صلى الله عليه وآله فرفع يديه إلى السماء قائلاً : اللهم ان أخي موسى سألك فقال : « رب أشرح لي صدري ويسّر لي امري * واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي * واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون اخي * اشدد به ازري * واشركه في أمري » فانزلت عليه قرآناً ناطقاً : « سنشد عضدك باخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون اليكما بآياتنا » اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي امري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشدد به ازري .


وعرجت الكلمات تطوي المسافات وتخترق مدارات الزمن ، وهبط جبريل ..
تصفّد جبين النبي صلى الله عليه وآله ، تألقت فوق جبينه الأزهر حبّات العرق كقطرات الندى ، وفاحت في فضاء المسجد عطور الفردوس وافاق النبي صلى الله عليه وآله وانسابت كلمات السماء كنهر هادئ :


_ « انّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون » .

ان السماء ولا شك بأخذ بيد علي وترفعه علياً تمنحه منحت سيد الخليقة محمد صلى الله عليه وآله إلا النبوة .


***

(1) الدر المنثور 2 : 218 حول الآية 19 من سورة البراءة .

(2) أقوى حصون خيبر اليهودية .


***


<<< يتبع .. !




من مواضيعي

0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !
0 إحساس الجمادات .. بمشاعرنا !!؟‎
0 بحث في بحيرة ساوه وعلاقاتها بعلامات الظهور....
0 القمر دافع من دوافع جرائم الانسان ،،،
0 (النباتات) مخلوقات ذكية جداً !!


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 08-25-2010, 03:53 AM   #8
حويراتي نشيط

غرام غير متواجد حالياً
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
من مواضيعي


  رد مع اقتباس
قديم 08-26-2010, 06:26 AM   #9
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
Lightbulb

قدوة الصديقين

.


دانه

.


غرام


أسعدني مروركن

وأعتذر عن التأخير ..

ودي لقلبكن الطاهر < نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة >
من مواضيعي

0 أعمال شهر محرم الحرام ....
0 إحساس الجمادات .. بمشاعرنا !!؟‎
0 أكذوبة السير على القمر .. وثائقي بالصور !!
0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !
0 هل جربت يوما تلقي مساج السمك Fish Spa ؟


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 08-26-2010, 06:35 AM   #10
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
Ss70013

« محطّات الجهاد .. »

دخلت السنة السابعة من الهجرة ، وكلمة الإسلام تطوف ربوع الجزيرة العربية كفراشة تبشر بالربيع القادم .

وتهيأ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ومعه ألفان من الذين أمنوا إلى قضاء عمرة الحج ، وأخليت مكّة للزائرين ؛ وكان زعماء قريش يراقبون عن كثب أفواج المسلمين وهي تنحدر من شمال مكّة إلى بطن الوادي ؛ كان عبد الله بن رواحة (1) آخذاً بخطام ناقة النبي ، وعندما انكشف البيت للوافدين تصاعدت هتافات التوحيد من اعماق القلوب المومنة :

_ لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...

ودخل النبي المسجد والتفت إلى اصحابه قائلاً :

_ رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوّة .


واستلم الركن ثم بدأ يهرول حول البيت ، وهرول المسلمون خلف النبي صلى الله عليه وآله سبعة اشواط وكان منظراً أدهش الوثنيين ... وربّما تساءل بعضهم كيف امكن لهذا الطريد الذي خرج قبل سبع سنوات فارّاً يعود الآن ومعه الفان من انصاره فيدخل مكّة دخول الفاتحين ...

وفي تلك اللحظات دوّت نداءات لها مغزاها الخالد وتجاوبت جنبات الوادي لهتافات المسلمين :

_ لا إله إلا الله وحده .. نصر عبده .. واعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده ..


وشعر الوثنين بالغيظ والحقد وتذكروا تلك الأيام المريرة في ذلك الشتاء القارس ، واستعادوا تفاصيل ذلك المشهد الخالد يوم سقط بطل الوثنية عمرو بن عبد ود عند قدمي فتى الإسلام علي بن أبي طالب .

وكان همّ سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله أن يرسم صورة مشرقة لثقافة الإسلام الجديدة ، ولا شك أن بعض اولئك الوثنيين قد تأثر لمنظر المسلمين وهم يطوفون حول الكعبة ؛ وهم يصطفّون للصلاة فتنساب آيات السماء معبّرة بليغة جميلة .

ومرّت ثلاثة أيام ، وارسلت قريش وفداً يذكر النبي بانتهاء الأجل الذي نصّت عليه معاهدة « الحديبية » (2) وعرض النبي صلى الله عليه وآله أن يقيم مأدبة طعام لأهل مكّة ، فرفضت قريش اقتراح النبي وطلبت من المسلمين مغادرة مكّة .


***

(1) عبد الله بن رواحة بن امرئ القيس من بني مالك بن ثعلبة كنيته أبو محمد ، صحابي جليل القدر ومن الشعراء الراجزين كان يدافع عن النبي صلى الله عليه وآله بشعره ، ويثير حماس المسلمين والمجاهدين وكان احد النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة استشهد في معركة مؤتة 8 هـ حيث مرقد الآن | اُسد الغابة 3 : 156 .

(2) في السنة السادسة للهجرة عزم النبي صلى الله عليه وآله على اداء العمرة ، وكان من المفروض ان تسمح قريش لهم بذلك اسوة بسائر القبائل العربية ، ولكن مشركي مكّة رفضوا ذلك بعناد ، وعسكر النبي صلى الله عليه وآله في الحديبية قرب المكّة وارسل وفداً يشرح لهم اهداف زيارته ، وتأزم الوضع بشكل انذر بوقوع حرب مدمّرة ، وخيراً اتفق الفريقان على ابرام معاهدة سلام جاء فيها :
1ـ انهاء حالة الحرب مدّة عشر سنين .
2ـ ان يرجع النبي صلى الله عليه وآله واصحابه هذا العام دون عمرة على أن يعودوا في العام القادم ، وتلتزم قريش باخلاء مكّة مدّة ثلاثة أيام .
وعندما اراد علي بن أبي طالب عليه السلام تحرير بنود الاتفاق وكتب : « بسم الله الرحمن الرحيم ، اعترض المفاوض الوثني واصرّ على كتابة « باسمك اللهم » وكتب علي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو واعترض الأخير أيضاً قائلاً بل اكتب اسمك واسم ابيك ، ولم تطاوع نفس علي ان يمحو صفة الرسالة عن سيدنا محمد فاخذ النبي صلى الله عليه وآله الصحيفة ومحاها بنفسه والتفت إلى علي وقال بحزن :
ـ ان لك مثلها يا علي !
لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ينظر إلى المدى البعيد إلى ابعد من ثلاثين سنة قادمة ؛ سوف يحارب علي في صفين « القاسطين » معاوية واتباعه وسوف يضطر علي إلى وقف القتال والتفاوض .
وعندما يحرر عبد الله بن عباس بنود الاتفاق ويكتب : هذا ما صالح عليه علي أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ، سوف يعترض المفاوض الشامي قائلاً : لو شهدت بان علياً أمير المؤمنين ما قاتلته ، بل اكتب علي بن أبي طالب ويرفض عبد الله بن عباس ذلك فيأخذ علي صحيفة الاتفاق ويمحو « امير المؤمنين » وهو يستعيد تفاصيل ما وقع في « الحديبية » .



***





« جعفر الطيار .. »


في جمادي الأولى من السنة الثامنة للهجرة الشريفة وقعت معركة مؤتة في شمال الجزيرة العربية عندما اصطدم الجيش الإسلامي بحشود الرومان والتي قدّر بعض المؤرخين انها ناهزت المئتي ألف جندي ، حيث هوى زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب (1) وعبد الله بن رواحة شهداء ، فيما قاد خالد بن الوليد الذي اسلم حديثاً عملية انسحاب ناجحة .


***

(1) شقيق علي من السابقين إلى الإسلام قاد الهجرة الثانية إلى الحبشة ، وكان لخطابه أمام النجاشي ابلغ الأثر في تجذير الإسلام وكسب تعاطف ملك الحبشة الذي اسلم فيما بعد . وتزامنت عودته إلى المدينة مع انتصارات الإسلام في خيبر ، قال سيدنا محمد صلى الله عليه وآله فيه : اشبهت خلقي وخُلُقي ، كان يلقب بأبي المساكين لاحسانه إلى الفقراء . | الطبري 2 : 37 .

***



« وجاء نصر الله .. »


خرقت قريش صلح الحديبية بتحريضها « بني بكر » على (1) قبيلة خزاعة حليفة المسلمين ، وحاول بعض سادة قريش تدارك الموقف وفي طليعتهم أبو سفيان ، الذي شدّ الرحال إلى المدينة لاستقبال الزمن وتجديد معاهدة الحديبية مع سيدنا محمد صلى الله عليه وآله .

غير أنه قد فات الأوان فقد سبقه وفد خزاعة الذي اطلق صيحه استغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله مذكّراً اياه بالتحالف .


والتقى أبو سفيان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله , قال أبو سفيان :


_ جئت أجدد العهد وازيد في أمده .

سأل النبي :

_ الهذا جئت يا أبا سفيان ؟!


أجاب أبو سفيان بخبث :

_ نعم .


فسأل النبي صلى الله عليه وآله :

_ فهل حدث عندكم ما يوجب ذلك ؟

اجاب أبو سفيان وهو يخفي الحقائق الدامية :

_ كلا .. نحن على صلحنا في الحديبية لا نغير ولا نبدّل .

وشعر أبو سفيان أن النبي صلى الله عليه وآله يعرف ما حصل فانطلق إلى ابنته رملة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وفوجئ بموقف لم يكن يتوقعه ابداً فقد طوت أم حبيبة فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقالت بشجاعة :

_ انه فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وانت امرؤ مشرك نجس .

فقال الوثني متظاهراً بالأسى :

_ لقد اصابك بعدي شرّ .

فاجابت المرأة المؤمنة :

_ بل هداني الله إلى الإسلام .

واردفت تدعوه إلى النور :

_ واعجباً لك وانت سيد قريش وكبيرها تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً .

فقال أبو سفيان وهو يتشظى حقداً :

_ بل الأعجب انكِ تريدين ان اترك دين آبائي واتبع دين محمد !! .

اخفق أبو سفيان في مهمّته ، ولكنه اضحى كالغريق الذي يتشبث بأي شيء من اجل النجاة (2) ؛ فراح يستنجد بهذا وذاك دون جدوى ؛ وانطلق الزعيم الوثنى إلى علي بن أبي طالب فلم يجد لديه استعداداً للوساطة فاستشاره فيما يتوجب عليه أن يفعل في هذه الظروف السيئة فقال علي :

_ انك من سادة كنانة ... ولا أرى لك إلا أن تقوم فتجير بين الناس ... ولا اظن ان ذلك يجديك شيئاً .

وهكذا عاد أبو سفيان إلى مكّة صفر اليدين ؛ واعتبرته قريش فاشلاً في رحلته وراح بعضهم يتهكم منه قائلاً :
_ لقد لعب فيك علي بن أبي طالب .

وفي ظروف بالغة السرّية كان النبي يعدّ العدّة للزحف باتجاه مكّة وكان أكبر همّه أن يفاجئ قريش بحشود هائلة فيضطرها إلى الاستسلام دون اراقة للدماء ؛ وبالرغم من كل الاجراءات فقد تسرّب النبأ إلى أحد الصحابة (3) فسطّر اخباره المثيرة في رسالة وبعث بها إلى مكّة ، وكان قد استأجر امرأة لهذا الغرض .

وهبط الوحي يفضح هذه المؤامرة ، فبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم علياً والزبير على وجه السرعة لتدارك الموقف ، وفي منطقة الحليفة (4) أوقف الفارسان المرأة ، واستجوبها الزبير ابن العوام ، فاقسمت انها لا تحمل أية رسالة وانخرطت في البكاء ، فقال الزبير لعلي بعد أن فتش الرحل تفتيشاً دقيقاً .

_ ليس معها شيء ارجع بنا إلى رسول الله نخبره .

فقال علي بلهجة تتدفق ايماناً بصدق النبوّات :

_ يخبرني رسول الله ان معها كتاباً ويأمرني بأخذه فتقول لا شيء معها !!

واقبل علي على المرأة مهدداً :

_ والله لأن لم تخرجي الكتاب لاكشفنك ،


وانهارت المرأة وهي ترى سيف علي فقالت :

_ اعرض عني .

واستخرجت المرأة الكتاب من جدائلها .

واجتمع المسلمون في المسجد وقد بان الغضب على وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم :

أيها الناس ! لقد كنت سألت الله ان يخفي اخبارنا عن قريش وان رجلاً منكم كتب اليهم يخبرهم ... فليقم صاحب الكتاب قبل أن يفضحه الوحي .

وساد صمت رهيب ، وكرّر النبي دعوته ، واخيراً نهض حاطب وهو يرتجف كسعفة في ريح باردة :

_ انا صاحبه يارسول الله .

ودمعت عيناه وهو يقول :

_ والله اني لمسلم مؤمن بالله ورسوله ما غيّرت وما بدّلت ولكني امرأ ليس لي في مكّة عشيرة ولي فيها أهل وولد فاردت أن اصانعهم .

وأمر النبي بإخراجه من المسجد ، وراحت الجماهير تدفعه إلى خارج المسجد ، وهو ينظر إلى سيدنا محمد بعينين فيهما ذلّة الانكسار ؛ وتدفق نبع الإنسانية في قلب رسول السماء فأمر باعادته واوصاه الا يعود إلى مثلها ابداً .


واستكمل المسلمون استعداداتهم العسكرية وبلغت الحشود عشرة آلاف مقاتل ، وغادر الجيش الإسلامي المدينة المنوّرة في رمضان المبارك سنة 8 هـ .

وصلت القوات الزاحفة مرتفعات « مرّ الظهران » (5) المطلّة على مكّة ، واراد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم التهويل من ضخامة الزحف الإسلامي فأمر جنوده بايقاد النار فوق المرتفعات ، وشعر أبو سفيان بالانهيار وهو يراقب النار وهي تضيء الصحراء المترامية .

ولم يجد الوثنيون سوى الإستسلام وفتح أبواب مكّة للفاتحين .


وفوجئ أهل مكّة بمنظر سيدنا محمد وهو يدخل مكّة على ناقته مطرقاً برأسه تواضعاً ولم تبد عليه أية ملامح تدلّ على نشوة النصر ولا شهوة الانتقام ، لقد اتسع قلبه الكبير لكل الناس حتى لأولئك الذين آذوه وعذبوه وشرّدوه عن مرابع صباه ؛ ولقد كان بامكانه ان يحيل مكّة إلى خرائب ،

ولكن محمدصلى الله عليه وآله وسلّم لم يكن يفكر بافتتاح المدائن ابداً فهمّه الوحيد أن يفتح القلوب ويقود الإنسان الحائر إلى ينابيع النور والأمل والحرّية .



***

(1) أغار بنو بكر على قبيلة خزاعة ليلاً ، وكانت قريش قد مدّت المعتدين بالرجال والسلاح ، وذلك في شعبان سنة 8 هـ ، ولجأت خزاعة إلى الحرم المكي ولكن المعتدين استمروا في عدوانهم منتهكين حرمة البيت العتيق .

(2) تذكر كتب السيرة انه ذهب إلى ابي بكر والى عمر وعثمان فلم يجد لديهم تجاوباً ، كما ذهب إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقد اجارت اختها زينب أبا العاص بن الربيع يوم كان مشركاً ، غير أنها رفضت ان تتدخل .

(3) حاطب بن ابي بلتعة .

(4) على بعد أميال من المدينة المنوّرة .

(5) تبعد عن مكّة 24 ميلاً عربياً أي ما يعادل 48 كم .


***




« الزلزال.. »

لقد كانت لحظات مثيرة تلك التي شهدت انهيار الأوثان العربية ، وسط هتافات الله أكبرالتي ملأت فضاء مكّة ؛ وراح سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم يطوف حول البيت على ناقته «القصوى »ومئات الأصنام تتهاوى بين يديه لتتحول إلى انقاض .

ها هو حفيد إبراهيم عليه السلام يدخل المعبد وبيده فأس يهشم بها وجوه الآلهة المزيفة ، وكان « هبل » ما يزال جاثماً فوق الكعبة يحدّق ببلاهة والتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى علي عليه السلام وتسلّق وليد الكعبة البيت الذي شهد ميلاده قبل ثلاثين سنة .



وتهشم هبل تحت وقع ضربات علي ، كان أبو سفيان يراقب تحطّم الآلهة بمرارة ، ولعل تلك اللحظات كانت من اصعب ما واجهه أبو سفيان في حياته .

التفت الزبير إليه قائلاً :

_ يا أبا سفيان لقد كسر هبل ...


واردف وهو يستعيد هتافات أبي سفيان في أحد : أُعلُ هُبل !

_ اما انك قد كنت منه يوم أحد في غرور .

قال أبو سفيان بضيق :


_ دع عنك هذا يا ابن العوام .. لو كان مع إله محمد إله غيره لكان غير ما كان .


وارتقى بلال سطح الكعبة في مشهد مثير فهذا العبد المملوك قد جعل منه الإسلام بطلاً من ابطال الإنسانية ، ولم يكن هناك من اسم احب إليه من اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم .

ودوّت هتافات الأذان الخالد معلناً : ان لا إله إلا الله .. الله أكبر .. (1) .

حتى إذ وصل بلال إلى اسم حبيبه رفع صوته كاشدّ ما يكون قائلاً : اشهد أن محمداً رسول الله . وسيئت وجوه الذين في قلوبهم مرض .

لقد دمّر الزلزال اوثانهم ومرغ كبرياءهم بالوحل واحال مصالحهم وامجادهم إلى مجرد انقاض وبدد أحلامهم المريضة فاذا هي هشيم تذروه الرياح .

لنراقب عن كثب هذا المشهد المضيء لنرى كيف يحاول رسول السماء انقاذ الإنسان من براثن النفوس الجاهلية ، ها هو سهيل بن عمرو يحثّ الخطى مذعوراً إلى منزله لقد دخل جيش محمد مكة فاتحاً وقد حانت لحظة القصاص اغلق سهيل باب المنزل باحكام وجلس يترقب ، قال لولده وكان قد اسلم من قبل (2) .

_ اذهب يا عبد الله وخذ لي أماناً من محمد .. اني لا آمن على نفسي ..

واضاف وهو يستعيد تفاصيل الماضي البعيد :

_ لأنني لم أجد احداً اساء إليه إلا واشتركت معه .. وقد حضرت مع قريش بدراً وأحداً .

وتناسى الابن البار كل اساءات والده ، وانطلق إلى ينابيع النور والرحمة إلى حبيب القلوب محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ، قال النبي :

_ هو آمن .


والتفت إلى اصحابه يوصيهم بتناسي الماضي وفتح صفحة جديدة وبدء حياة جديدة :
_ من لقي منكم سهيلاً فلا يشدّن النظر إليه ... ان سهيلاً له عقل وشرف .


وأكبر المسلمون موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ازاء سهيل .. سهيل الذي آلم قلب النبي في مفاوضات الحديبية ... وتذكروا كلماته وهو يطالب بمحو رسول الله من نص المعاهدة قائلاً : لو كنت اعلم أنك رسول الله ما قاتلتك .. بل اكتب اسمك واسم ابيك !

وردّ النبي بحزن : والله أني رسول الله وان كذبتموني !!

وجاء عبد الله يبشر أباه بالطمأنينة والأمن والسلام , واهتز سهيل للموقف النبيل ، وحطّم الإنسان في اعماقه السلاسل وهتف :


_ كان والله براً صغيراً وكبيراً .


***

(1) تمتم بعضهم قائلين بغيظ : ليتنا متنا قبل هذا اليوم ، ولم نسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة !!


(2) قبل صلح الحديبية .



***




« حادثان .. »


مكث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله والمسلمون في مكة خمسة عشر يوماً ، ولعلّ علي بن أبي طالب الذي تخطى الثلاثين ، قد تجوّل في ربوعها الزاخرة بالذكريات وربّما ذهب إلى حراء جبل النور ، إلى الغار الذي كان يأوي اليه مع أخيه وسيّد العظيم ؛ غير أن «الشيخ » الغارق في السنين والحوادث لم يتذكر سوى حادثتين فقط ... فرك جبينه بيده المعروقة وقال :

ذهب علي وهو بكامل زيّه الحربي .. يجتاز الازقّة إلى منزل أخته ام هانئ وعندما دخل فوجئت المرأة وكانت قد اجارت رجلين (1) من مكّة خائفين فاجارتهما .
قالت أم هانئ وهي تخاطب الجندي المسلم المدجج بالسلاح :


_ أنا أم هاني بنت عم رسول الله !

واماط علي اللثام ، وارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه شقيقته التي خفّت اليه تعانقه . وفي تلك اللحظة وقعت عيناه على المشركين فاخترط سيفه هتفت أم هاني :

_ أنت أخي وتصنع معي ذلك .. لقد اجرتهما .

قال علي :

_ اتجيرين المشركين ؟!

القت أم هانئ عليهما ثوباً واعترضت اخيها :


_ إذا اردت قتلهما فاقتلني معهما .

ولم يجد علي سوى مغادرة المنزل .


وانطلقت أم هانئ بعد أن هدّأت من خوف الرجلين إلى خيمة النبي ... لم تجده هناك ووجدت فيها ابنته فاطمة ..

وجلست أم هانئ تشكو ما فعله اخوها وزوج ابنة النبي :

_ ما لقيت من ابن امي لقد اجرت حموين لي .. فتفلّت عليهما ليقتلهما !

قالت فاطمة :

_ لأنهما يستحقان ذلك ، ... وما يجدر بكِ أن تجيري المشركين .

وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ولما رأى أم هانئ هتف مستبشراً :

_ مرحباً بأم هانئ .


وشكت له أم هانئ ما حصل فقال رسول الإنسانية :

_ قد أجرنا من أجرت وآمنا من آمنت .

وعادت ام هانئ إلى منزلها تحمل البشرى للرجلين الخائفين .

كانت القبائل العربية تترقب ما سيسفر عنه الصراع بين محمد وقومه من قريش ، وكانت مكّة بكل ثقلها الديني والقبلي تمثل أم القرى ، فهي مركز الوثنية وحصنها الحصين .

***

(1) اجارت أم هانئ حموين لها مشركين هما عبدالله بن أبي ربيعة والحرث بن هشام من بني مخزوم .


***



« بنو جذيمة .. »

ومن هنا جاء فتح مكّة ليسجل النصر الحاسم والنهائي للإسلام في مواجهة العقيدة الوثنية ، وهكذا جاء اعتناق قريش للإسلام ايذاناً ببداية عهد جديد ، ولكن ذلك لم يكن يمنع من وجود بعض الجيوب المشركة هنا وهناك في طوايا جزيرة العرب .

وفي خطوة لنشر الإسلام على نطاق أوسع جهز النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قوّة مقاتلة مؤلفة من ثلاثمئة وخمسين جندي ضمت الأنصار والمهاجرين لدعوة « بني جذيمة » إلى الإسلام ؛ وكان على رأس القوّة الإسلامية « خالد بن وليد » .

وللأسف فقد استيقظت في نفس القائد المسلم ذكريات الجاهلية وتحرّكت في اعماقه روح الثأر من الذين قتلوا عمّه (1) في غابر الأيام .


وهرع بنو جذيمة إلى السلاح ؛ فقال خالد وقد بيّت لهم الغدر :

_ ضعوا السلاح فان الناس قد اسلموا .

وصاح جحدم وهو رجل من بني جذيمة :

_ ويلكم يا بني جذيمة انه خالد بن الوليد والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسر ، وما بعد الأسر إلا ضرب الاعناق ، ولكن بنو جذيمة مالوا إلى السلام وقال بعضهم :
_ يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا !! فان الناس قد اسلموا ووضعت الحرب وآمن الناس .

والقى جحدم سلاحه ، وهنا أمر خالد بأسرهم ، وقتل جماعة منهم ؛ واعترض عبد الرحمن بن عوف بشدّة قائلاً :

_ انك عملت بأمر الجاهلية في الإسلام .

قال خالد مخادعاً :

_ لقد اخذت بثأر أبيك .

أجاب عبد الرحمن مستنكراً :

_ كذبت .. لقد قتلت قاتل أبي يومذاك ... ولكن ثأرت لعمك « الفاكه » واخترط خالد سيفه وشهر عبد الرحمن هو الآخر سيفه ، وتدخل بعض المسلمين فاصلحوا بينهما .

وصلت الأنباء المثيرة إلى مكّة وتألم النبي بشدّة لهذا الانتهاك والغدر .. ورفع يديه إلى السماء قائلاً :

_ اللهم اني ابرأ اليك مما صنع خالد .

واستدعى النبي أخاه علياً وسلّمه « مالاً » :

_ يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم وانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك .

وانطلق علي مضارب بني جذيمة في خطوة اصلاحية ودفع تعويضات عن ضحايا الحادث وبعض الخسائر الأخرى .

قال علي :

_ هل بقي لكم بقية من دم أو مال .

اجاب المنكوبون وقد طابت خواطرهم .

_ لا .

نظر علي فوجد لديه بقية من المال قد زاد ، فقدّمها اليهم احتياطاً مما لا يعلم ولا يعلمون ، وعاد إلى رسول الله يشرح له تفاصيل مهمّته فقال النبي :

_ اصبت واحسنت .

ورفع يديه إلى السماء مرّة أخرى تعبيراً عن استنكاره الشديد لما حصل :

_ اللهم اني أبرأ إليك مما صنع خالد .

قالها ثلاث مرات .




***

(1) الفاكه بن المغيرة وكان بنو جذيمة قد قتلوا أيضاً عوفاً والد عبد الرحمن .


***



« الطريق إلى حُنين .. »

يعدُّ ما حدث في وادي حنين آخر المواجهات العنيفة بين الإسلام والوثنية .
كانت قبائل هوازن وثقيف التي تقطن الطائف قد وقفت موقفاً سلبياً حيال الإسلام في مراحل الدعوة الأولى .

وعندما غادر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم المدينة المنورة زاحفاً باتجاه مكّة ظنت تلك القبائل (1) انها ستكون الهدف من تلك الحملة العسكرية ؛ وهكذا تدفقت القبائل الوثنية إلى وادي حنين وتمركزت في المرتفعات المشرفة على الوادي في خطّة ذكيّة لمباغتة الجيش الإسلامي ؛ وقد ضم التجمع الوثني قبائل هوازن وثقيف ونصر وجشم وبلغت الحشود العسكرية الثني عشر ألف مقاتل ؛ وكان الجيش الإسلامي يتألف من اثني عشر ألف جندي هو الآخر .

وقد بلغ من تهوّر الزعيم الوثني الشابّ ان هدد بالانتحار إذا لم تنفذ القبائل المتحشدة تفاصيل خطّة دون قيد أو شرط ، وكانت خطّة تستند إلى ركنين . الأول : ضمان عنصر المفاجأة في احتلال المرتفعات ومباغتة الحشود الإسلامية بهجوم عنيف ، والثاني زجّه الأطفال والنسوة وما يمكن نقله من الأموال في المعركة وخلق حالة من الاصرار لدى القبائل ودفعها إلى القتال حتى النهاية .

وقد علّق الشاعر دريد بن الصمّة (2) بمرارة قائلاً :

_ ان المنهزم لا يردّه شيء ؛ وانقد مالكاً بن عوف لذلك .


كان على الجيش الإسلامي الزاحف أن يسلك المنعطفات الجبلية في منطقة حنين ؛ وعندما بدأت الكتائب الإسلامية في غبش الفجر الانسياب في بطن الوادي العميق ، فوجئت بوابل من السهام ؛ وهي تنبعث من قلب الظلمات ، وسادت الفوضى الكتيبة التي يقودها خالد بن وليد فارتدّت الى الوراء في انسحاب فوضوي جرف معه الكتلة الرئيسية من الجيش الإسلامي ، وتحوّل الانسحاب إلى هزيمة ، ولم يعر المنهزمون اذناً إلى صيحات النبي وهي تدعوهم إلى الثبات والمقاومة ، وبهذا سجّلوا موقفاً اسوأ بكثير مما حصل في معركة أُحد .

لم يثبت مع النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلّة مؤمنة وقد تضاربت الروايات فيمن ثبت ولكنها اجمعت على ثلاثة في طليعتهم علي بن أبي طالب والعباس وأبو سفيان بن حارث (3) وايمن الذي هوى شهيداً في أرض المعركة .

وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عمّه العباس أن يطلق هتافاته الجهورية ليتذكر المسلمون بيعة في ظلال الشجرة (4) .


ودوّت في الوادي صيحات العباس :

_ يا أهل بيعة الرضوان ! .. يا اصحاب سورة البقرة .. يا أهل بيعة الشجرة .. إلى اين تفرّون ؟

وكان ذو الفقار يسطع في غمرة الغبار كصاعقة مدّمرة ، وقد سجّل القرآن الكريم تلك اللحظات الحساسة من تاريخ الإسلام في قوله تعالى : « ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم انزل الله سكينة على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنوداً لم تروها » .

ان قلب المؤمن اقوى من الجبل ... وسيذكر التاريخ الإسلامي باجلال تلك اللحظات المصيرية ؛ فيوم هبّت العاصفة الوثنية صفراء مدمّرة ، لم يثبت سوى محمد وعلي ورجال صدقوا ... وانزل الله جنوده .. وتحولت الهزيمة إلى نصر وشيئاً فشيئاً عاد المنهزمون إلى الوادي الأيمن (5) ، وكانت راية الإسلام تخفق في قبضة علي ؛ واقتحم النبي عن بغلته وراح يباشر القتال ببسالة ادهشت المسلمين انفسهم ، واندفع علي إلى حامل الراية الوثنية فقضى عليه ، وسقطت راية الشرك وكان لهذا الموقف البطولي اثره في ارتفاع معنويات المسلمين .

وما ان اشرقت الشمس حتى كانت ارض الوادي تهتز لضرواة المعركة ، وعندما شاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن كفة القتال تميل لصالح الجيش الإسلامي هتف معلناً بدء الهجوم المعاكس :

_ الآن حمي الوطيس ، شدّوا عليهم !

واندفع المسلمون في هجوم مدمّر ، وراحوا يمزقون الفلول الوثنية ، التي فضلت الفرار والنجاة بأي ثمن .

لقد سقطت راية الشرك إلى الأبد فيما ظلت راية الإسلام تخفق في قبضة بطل الإسلام علي بن أبي طالب عليه السلام .

انظر كيف يتألق اسم علي في منعطفات التاريخ الإسلامي .. في اللحظات المصيرية .. في « بدر » و« أُحد » والاحزاب وفي يوم حنين ؛ ثم يختفي فجأة عندما يصبح الحديث عن الغنائم والاسلاب ، والاطماع الرخيصة ..


لقد حصل أبو سفيان وصفوان ومعاوية ويزيد على ثروات طائلة لم يكونوا ليحلموا بها .. وعاد علي ولا شيء في يديه سوى البيرق الإسلامي ، و« السكينة » التي انزلها الله على رسوله تملأ قلبه .



***


(1) تسارعت الأحداث بشكل مثير ولم تسمع قبائل هوازن وثقيف بانتهاك قريش لصلح الحديبية ؛ ثم سيطرت مشاعر الغرور على حشودهم العسكرية الضخمة وحماس زعيمهم الشاب مالك بن عوف في مواجهة الجيش الإسلامي .

(2) دريد بن معاوية والصمّة لقب ابيه معاوية سيد بني جشم فقد بصره في اخريات عمره وكانت هوازن تستشيره في الأزمات .

(3) ابوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأخوه من الرضاعة ، كان يهجو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ وفيما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يتجه صوب مكّة في عام الفتح غادر أبو سفيان مكّة مصطحباً ابنه وقد مال قلبه للإسلام فالتقى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في الطريق ، ورفض النبي استقباله ، وتوسطت أم المؤمنين أم سلمة له ولاخيها من ابيها قائلة :
ـ لا يكن ابن عمّك وابن عمّتك اشقى الناس بك يا رسول الله !
وقال ابو سفيان بمرارة : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني ثم لنذهبن في الأرضحتى نموت عطشاً ؛ وعلّمه علي كيف يقابل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قائلاً له :
ـ إئت رسول الله من قبل وجهه وقل له ما قاله اخوة يوسف : تالله لقد آثرك الله علينا وعندها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم .

(4) بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان وفيها بايع المسلمون سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم على الموت وذلك سنة 6 هـ ، وهي البيعة التي سبقت بأيام صلح الحديبية .

(5) انحاز النبي إلى يمين الوادي .


***



« هارون .. »

في السنة التاسعة من الهجرة المباركة وصلت المدينة انباء مثيرة حول حشود عسكرية هائلة في تبوك (1) ؛ واستعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لمواجة أكبر امبراطورية في العالم آنذاك . كان الفصل صيفاً شديد الحرارة ، والعالم عام جدب مما جعل هذه المهمّة العسكرية شاقّة ، واعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حالة النفير العالم ، ولأول مرّة استخدام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم اسلوب الحرب الشاملة بالتحاق جميع القادرين على حمل السلاح .


وسجّل المجتمع الإسلامي حالة رائعة من التضمن مقابل تيار المنافقين الذين بذلوا جهوداً قذرة في تثبيط الهمم (2) .

وبالرغم من قسوة الظروف فقد حشد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ثلاثين الف مقاتل وغادر المدينة واستخلف عليها وصية علي بن أبي طالب وهي المرّة الأولى التي لم يشترك فيها على في حروب الإسلام .


كان المنافقون ينتهزون هذه الفرصة ولكنهم اصيبوا بخيبة أمل لدى اكتشافهم ان خليفة النبي هو ابن عمه علي .

وجاء وفد من المنافقين وعرضوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن يصلي في مسجد (3) لهم بنوه في قرية « قبا » في ضواحي المدينة ؛ ولم يذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى قبا ؛ وارجأ ذلك لحين عودته من تبوك .


وقف الاطفال والنساء والشيوخ فوق سطوح المنازل يودّعون الجيش الإسلامي والشفاه تتمتم بالدعاء أن ينصر الله رسوله والذين آمنوا .

واستيقظت في نفوس المنافقين كوامن الخيانة والغدر ووجدوا في علي عقبة كأداء في الوصول إلى أهدافهم الرخيصة .

اطلق المنافقون الشائعات حول المنافقين الشائعات حول استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لعلي بن أبي طالب قائلين : انما خلّفه استثقالاً له .

ولم يجد علي وهو الذي لم يفارق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم طيلة حياته إلا أن يأخذ سلاحه ويلتحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم .



كان النبي قد عسكر في « الجرف » قريباً من المدينة عندما وصل علي وقال مخاطباً رسول الله :

_ يا نبي الله زعم المنافقون بانك انما خلفتني استثقالاً لي !

أجاب النبي مستنكراً :

_ كذبوا .. انما خلّفتك لما ورائي .. ان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك .. فانت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي ..

واردف قائلاً كلمته الخالدة :

_ اما ترضى يا علي أن تكون مني بنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي ؟


وعاد « هارون » إلى المدينة وهو يحمل أوسمة المجد ؛ وشعر المنافقون بالاحباط ؛ وهم يرون علياً يعود إلى المدينة ، فانطلقوا إلى مسجدهم (4) خارج المدينة .



***

(1) وفي الشمال من شبه الجزيرة العربية .

(2) شهد ذلك العام نشاطاً محموماً من قبل المنافقين وكانت لهم اتصالات مشبوهة مع « ابي عامر الراهب » الذي لجأ إلى القسطنطنية لتحريض الرومان .

(3) تعود فكرة بناء مسجد « ضرار » إلى أبي « أبي عامر الراهب » وهو من أهل المدينة ومن قبيلة الخزرج ، اعتنق النصرانية في الجاهلية ، واظهر العداوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم بعد قدومه إلى المدينة وفرّ إلى مكة بعد معركة البدر ، وراح يحرّض قريشاً على حرب الإسلام ، اشترك في معركة أحد ، وظل في مكّة حتى الفتح ؛ لجأ إلى الطائف ثم فرّ منها إلى بلاد الروم ، والتقى هرقل وحرّضه على قتال الدولة الإسلامية ، ومن هناك كتب إلى جماعة من المنافقين ودعاهم إلى بناء مسجد يكون لهم مقرّاً ومعقلاً له إذا فكر بالعودة إلى المدينة ؛ وقد استجاب المنافقون لفكرته وشرعوا في بناء مسجد مقابل مسجد « قبا » .

(4) مسجد ضرار الذي احرق فيما بعد بامر من السماء .


***


« مشاهد النبوءات .. »


المشهد الأول : حل ذو الحجة الحرام من السنة التاسعة للهجرة ، وهبط جبريل يحمل آيات « البراءة » ، ايذاناً سماوياً بانتهاء الوثنية في شبه الجزيرة العربية ، استدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر وسلّمه البلاغ السماوي (1) ، ومضى أبوبكر أميراً على الحج ذلك العام ؛ حتى إذا وصل « ذي الحليفة » (2) .

هبط الوحي في المدينة المنورة ، يأمره إلا يبلّغ تلك الآيات إلا نبي أو وصي نبي واستدعى رسول الله علياً وأمره أن يركب « القصوى » (3) وأن يدرك أبابكر ويأخذها منه .

وعاد أبوبكر إلى المدينة وهو يشعر بالقلق وخاطب النبي بلهجة يشوبها خوف :

_ يا رسول الله انزل فيّ شيء ؟

اجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مطمئناً :
_ لا ولكن قال لي جبريل : لا يؤديها عنك إلا انت أو رجل منك (4) .

علي يطوي المسافات يقود قوافل الحج الأكبر . وشهد البيت العتيق للمرّة الثالثة نداءات التوحيد ؛ وكان الوثنيون يبحثون عن اللات العزى وهبل وعن عشرات الألهة التي دكّها الزلزال الإسلامي .

وها هو علي بن أبي طالب ابن عم محمد وزوج ابنته فاطمة يعلن موت الوثنية وزوالها إلى الأبد .

تألقت شمس العاشر من ذي الحجة الحرام ، ووقف علي يتلو بلاغ السماء :
« انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا » .

ودوّت نداءاته في فضاء مكّة وهو يهتف عالياً :

_ لا يحجّن بعد هذا العام مشرك ولا يطوفن في البيت عريان ولاتدخل الجنّة إلا نفس مسلمة ؛ ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى مدّته .. » .


المشهد الثاني : دخل الناس في دين الله أفواجاً ، ما خلا بعض القبائل هنا وهناك ، وفي شهر رمضان المبارك من السنة العاشرة للهجرة بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم علياً على رأس ثلاثمئة من المقاتلين إلى قبيلة مذحج في اليمن وكانت مشاهد التوديع مؤثرة فقد عمّم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم علياً بنفسه وسلّمه اللواء ، وقال له :

_ ادعهم إلى قول لا إله إلا الله محمد رسول الله فان أجابوك فأمرهم بالصلاة ولا تبغ منهم غير ذلك ..

واردف قائلاً :
_ والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس .

وحفظ علي وصية النبي فعاش حياته كلها يجاهد من أجل الايمان .


قال علي وقد ساوره قلق من مهمّته :

_ يا رسول الله تبعثني إلى قوم وانا حديث السن لا أبصر القضاء .

تقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ووضع يده على صدر علي ونظر إلى السماء بخشوع وقال :

_ اللهم ثبت لسانه واهد قلبه .

واردف وهو ينظر إلى فتاه وصهره :

_ إذا جاءك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر فإنك إذا فعلت تبين لك القضاء (5) .


وانطلقت خيول الإسلام إلى اليمن ، وكان همّ عليّ الأول أن تدخل القبال القاطنة هناك في دين الله ؛ وقد نجح في مهمّته (6) ، ثم غادر اليمن بعد أن ترك فيها معاذ بن جبل يعلّم أهلها احكام الشريعة ؛ أما علي فقد توجه من هناك إلى مكة ، فقد اطلّ موسم الحج ، وها هو رسول الله ومعه عشرات الألوف من المسلمين يقطعون الصحراء وهم يلبّون نداء ابيهم ابراهيم ، وقد سمّاهم المسلمين من قبل ؛ واسرع علي (7) يحث خطاه وفي قلبه شوق للقاء نبي الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، والتقى الاخوان على مشارف مكّة .

وزفّ علي بشائر النصر إلى رسول الله .


قال النبي وقد اشرقت الفرحة في وجهه :
_ بم اهللت يا علي ؟

قال علي :

_ يا رسول الله انك لم تكتب اليّ باهلالك ولا عرفته فعقدت نيّتي بنيتك ، وقلت اللهم اهلالاً كإهلال نبيك ، وقد سقت معي من البدن اربعاً وثلاثين بدنة .

وعندها قال النبي صلى الله عليه وآله :

_ الله أكبر وأنا سقت ستاً وستين .. وانت شريكي في حجي ومناسكي وهديي فأقم على احرامك وعد الى جيشك فعجّل بهم حتى نجتمع بمكة .

المشهد الثالث : وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوم النحر من حجة الوداع خطيباً : ـ « اما بعد ايها الناس اسمعوا مني ما ابين لكم فاني لا أدري لعلي لا القاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ، ان دماءكم واموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم وبلدكم هذا .. »
« ايها الناس انما المؤمنون اخوة ولا يحلّ لأمريء مال اخيه إلا عن طيت نفسه ، فلا ترجعوا كفاراً بعدي يضرب بعضكم اعناق بعض فأني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا بعدي ابداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ... » .

انطوى موسم الحج ، وغادر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم مكّة ومعه مئة ألف أو يزيدون ؛ التاريخ يشير إلى يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام من السنة العاشرة للهجرة .

قوافل الحجيج تهوي في بطون الأودية ؛ الشمس في كبد السماء وقد بدت وكأنها تتشظى لهباً ، القوافل تصل مكاناً (8) قريباً من الجحفة ، حيث مفترق الطرق .

وغمرت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو على ناقته « القصوى » حمّى الرسالات لقد هبط جبريل يحمل بلاغ السماء ، وتوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو يتشرب انذاراً سماوياً :

_ « يا ايها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » .

وتوقفت عشرات الألوف وهي تتساءل عن السرّ في توقف النبي ، في هذه البقعة الملتهبة من دنيا الله .

وانبرى بعض الصحابة يصنعون للنبي مرتفعاً فلديه كلمات تامّات يريد ابلاغها لعشرات الآلاف من الصحابة .. والأجيال القادمة ... والتاريخ .

كلمات الحمد والثناء لله تنساب من بين شفاه آخر الأنبياء كان علي واقفاً قرب الإنسان الذي ربّاه صغيراً وعلّمه كيف يحيا ؛ قال النبي وعشرات الاُلوف تتطلع إليه :
_ ألست أولى بالمؤمنين من انفسهم ؟

وجاء الجواب من عشرات الحناجر :

_ بلى يا رسول الله .

وأخذ النبي بيد علي ورفعها عالياً :

_ من كنت مولاه فهذا علي مولاه ...

ورفع آخر الأنبياء يديه إلى السماء :

ـ اللهم وال من والاه .. وعاد من عاداه .. ونصر من نصره .. واخذل من خذله .

وهبط جبريل يبشر محمداً صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قد ادّى رسالته وقد آن له أن يستريح ؛ لقد اكتمل الدين وتمت النعمة وقيل الحمد لله رب العالمين .

تصفد الجبين الازهر ؛ عرقاً تألقت حبّات العرق كقطرات الندى وقد انطبعت كلمات السماء فوق شغاف قلبٍ وسع الدنيا والتاريخ :

_ « اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » .



***

(1) « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلوا انكم غير معجزين الله وأن الله مخزي الكافرين * وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسولهُ فان تبتم فهو خير لكم وان توليتم فاعلوا انكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم » | التوبة 1 ـ 3 .


(2) الميقات المعروف اليوم بـ « مسجد الشجرة » .

(3) ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم .

(4) « ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاه الله من سمائه فعزلوه والى من عزله الله من سمائه فولّوه » هشام بن الحكم معلّقا على نتائج « السقيفة » .

(5) قال علي عليه السلام : « والله ما شككت في قضاء بين اثنين » .

(6) كان خالد بن الوليد قد اخفق في هذه المهمّة رغم مرابطته ستة اشهر .

(7) كان علي قد ترك الجيش ليلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم .

(8) غدير خم .


***



« ارهاصات الرحيل ,, »


عاد رسول الله إلى المدينة ، ينوء بثقل السنين ، تؤرقه هواجس المصير ؛ جبريل يعرض عليه القرآن مرّتين ، إنه يقترب من النهاية .. نهاية كل الحيوات ، وقد ظهرت في الافق غيوم وغيوم (1) .

انتصف الليل وبدت النجوم في صفحة السماء قلوباً تنبض بوهن استدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مولاه « أبا مويهبة » .

قال النبي بشيء من الحزن :

ـ اني قد أمرتُ أن استغفر لاهل البقيع فاخرج معي .

ـ لبيك يا رسول الله .

الصمت يهيمن على المكان ما خلا خطوات واهنة في طريقها إلى اناس عاشوا ثم ماتوا ؛ وقف آخر الأنبياء يحيّي أولئك الذين رحلوا بعيداً بالرغم من تلك الاشبار القليلة التي تفصلهم عمّا يجري فوق الأرض :

ـ السلام عليكم يا أهل المقابر : ليهن لكم ما اصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه ، لو تعلمون ما نجاكم الله منه ... أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع اخرها أولاها والآخرة شرّ من الأولى .

التفت رسول الله إلى مولاه :

ـ يا أبا مويهبة : اني قد اوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنّة ؛ وخيّرت بين ذلك ولقاء ربّي والجنّة ، فاخترت لقاء ربّي والجنّة .

قال أبو مويهبة بحزن :

ـ بابي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنّة .

أجاب النبي وقد هزّه لقاء الحبيب :

ـ لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربّي ..

وسمع أبو يهبة تمتمات الاستغفار ... ها هو النبي الأمّي يتذكر اصحابه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
الأيام تمرّ حزينة والرسول يخطو إلى النهاية ... وقد ازفت ساعة الرحيل (2) .

لزم النبي فراش المرض ، جسده يغلي من وقع الحمّى , المسلمون رجالاً ونساءً يعودون آخر الأنبياء .. القلوب تذوب حزناً وجاءت أم بُشر تعوده ؛ قال النبي وقد ومضت في ذهنه حوادث خيبر :

ـ يا أم بشر ... وجدت انقطاع ابهري مع الاكلة التي اكلت مع ابنك بخيبر (3) .




*** *** ***


(1) تعدّ الشهور الأخيرة من حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم « أواخر السنة العاشرة ومطلع السنة الحادية عشرة من الهجرة » من الفترات العاصفة في تاريخ الإسلام وما تزال بعض حوادها تثير حتى اليوم اسئلة عديدة .

(2) تذكر المصادر التاريخة ان زينب بنت الحارث اليهدية اهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم شاة مشوية بعد أن سمّت ذراعها « وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم يحبّ من لحم الشاة الذراع » ، وقد لاك النبي منها مضغة ولم يسغها ، وتناول أحد اصحابه « بشر بن البراء » منها لقمة فمات فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ان هذا العظم ليبخرني أنه مسموم واعترفت المرأة بجريمتها وبرّرت ذلك بقولها : قلت في نفسي : ان كان نبيّاً فيخبر وان كان ملكاً استرحت منه . وقد وقع الحادث بعد توقف العمليات الحربية في خيبر سنة 7 هـ ـ صيف عام 628 م .

(3) الطبري 3 : 16 .



الخميس 24 | صفر | 11 هـ :


اليوم هو يوم الخميس ارتدت الاشياء ثوب الحزن والقلق ؛ أو هكذا خيّل للمؤمنين فالقلب الكبير يخفق بشدّة تتسارع دقّاته تحت لهيب الحمّى , والنبي يقطع الخطوات الأخيرة من حياته في كوكب الحوادث ؛ عيناه مشدودتان إلى الافق البعيد .. الافق المغمور بالطمأنينة والسلام ؛ والقلب يخفق لآخر الامم وقد ذرّ الشيطان قرنيه .


الحجرة الطينية المتواضعة تكتظ برجال رافقوا النبي وها هم يجتمعون حوله ، وآلاف الأفكار تصطرع في الرؤوس ، وقد « اقبلت الفتن كقطن الليل المظلم » .

نظر النبي إلى اصحابه .. دمعت عيناه .. ها هي لحظة الوداع قادمة من بعيد انها تقترب ، وها هي الفتن مقبلة .

تمتم النبي بصوت واهن :

_ ائتوني بصحيفة ودواة لأكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً .

ونهض صحابي .. فاعترضه رجل فيه غلظة :

_ ارجع .. لقد غلب رسول الله الوجع .. انه يهجر .. حسبنا كتاب الله .

الجسد يغلي تحت وطأه الحمى .. غامت المرئيات وولج النبي عالماً آخر اغضبته كلمات صاحبه , ولمّا افاق وجد اصحابه يتنازعون ، قال رجل :

_ ألا نأتي لك بدواة يا رسول الله !

اجاب النبي بحزن :

_ أبعد الذي قلتم !!

أدار آخر الأنبياء وجهه إلى الحائط .. ونهض الرجال وكان ابن عم له بيكي (1) .. يبكي بمرارة ؛ لقد اضاع المسلمون مجدهم .. ولسوف يبكون .. يذرفون الدموع غزاراً قبل أن يعثروا عليه .


*** *** ***

(1) عبد الله بن عباس .




الجمعة 25 | صفر | 11 هـ :



جاءت فاطمة .. فتاة تحمل ملامح مريم .. النبع الدافق رحمة وحناناً .. جاءت « أم أبيها » (1) .. تعود أباها .. أراد آخر الأنبياء أن ينهض اجلالاً للمرأة المثال .. لسيدة كل امرأة في التاريخ .. ولكن الجسد الواهن لم يستجب للارادة .. هتف وقد شاعت الفرحة في وجهه .

_ مرحباً يا بنتي ..

أخذ النبي بيدها وأجلسها إلى يمينه ؛ همس في اذنها بكلمات .. شهقت الفتاة بعبرات واخضلّت الاجفان بالدمع .. كسماء تمطر بحزن .. وهمس الأب بكلمات ..انقشعت الغيوم .. واشرقت شمس الأمل تبعث النور والدفء .. اشرقت ابتسامة في الوجه المضيء .. تعجبت عائشة .. حفصة .. أم سلمة .. وكل النسوة .. نهضت فاطمة .. لحقتها عائشة :

_ لقد خصّك بسرّ .. تضحكين تارة وتبكين أُخرى !!
اخبريني بما قال لكِ .

قالت فاطمة وما تزال قطرات الدمع عالقة بأهدابها :

_ ما كنت لأفشي سرّ رسول الله .


*** *** ***


(1) كلمة مأثورة عن النبي في حق ابنته .








السبت 26 | صفر | 11 هـ :



ترك أسامة جيشه في « الجرف » (1) ودخل منزل تموج في نفسه الهواجس ، فهناك من الصحابة من نتذمّر من قيادته لحداثة سنّة ، وهناك من يتعلّل بحالة النبي قال اسامة وهو مطرق الرأس :

_ بأبي أنت وأُمي .. اتأذن ان امكث اياماً حتى يشفيك الله ..

_ لا يا أُسامة .. انفذ بجيشك حتى توطئ خيلك ارض البلقاء والداروم حيث قتل أبوك .

ورأى النبي صاحبيه .

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بألم :

_ ألم أمركم بانفاذ جيش اسامة ؟!

اجاب الأول : كنت في « الجرف » وقد جئت اجدّد بك العهد .
وقال الثاني : أما أنا فلم اخرج .. لا أريد أن أسأل عنك الاعراب في الصحراء !


تضاعفت آلام محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ... غلت العروق بسبب الحمى والغضب تمتم بحزن : انفذوا جيش اسامة ... انفذوا جيش اسامة .. أنفذوا ...


*** *** ***


(1) شدّد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على اهمية هذه الحمله العسكرية واسند قيادتها إلى أسامة بن زيد بعد أن تناهت الأنباء حول حملة اضطهاد ينفذها الرومان حيال المسلمين وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كبار الصحابة بالانضواء باستثناء وصيه علي بن ابي طالب ، وهو أمر يدعو إلى التأمل في حوادث تلك الفترة العاصفة من التاريخ .

وكانت مهمّة « اسامة » كما وردت في كتب التاريخ ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء ( الأردن ) والدواروم من ارض فلسطين قريباً من « مؤتة » حيث سقط والده « زيد بن حارثة » شهيداً .




الأحد 27 | صفر | 11 هـ :



خفّت الحمّى ... وشعر آخر الأنبياء بشيء من النشاط يسري في جسده الواهن ؛ تاقت روحه العظيمة إلى مسجد أُسس بنيانه على التقوى ؛ كان الوقت ضحى ، طلب النبي من ابني عمّه (1) ان يساعداه ؛ وبالرغم من العصابة التي شدّها حول رأسه إلاّ ان الحمى قد خفّت قليلاً ... وها هو النبي يمشي الهويني بين علي والفضل ، وشاعت الفرحة بين اصحابه ...


اتجه آخر رسل السماء إلى المنبرفارتقاه وكان يتساند على يد الفضل حتى استوى قال النبي اصحابه بنظرات تشّع رحمة وقال :

احمد اليكم الله .. ايها الناس . من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه ومن كنت اخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه .. ولا يقل رجل أني أخاف الشحناء من رسول الله ألا وان الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني الا وان احبكم اليّ من أخذ مني حقاً ان كان له .. أو حلّلني فأتيت الله وأنا طيب النفس ...



*** *** ***


(1) علي والفضل .









من مواضيعي

0 هل جربت يوما تلقي مساج السمك Fish Spa ؟
0 رخصة قيادة سعودية قبل 50 سنة‎ !
0 ذو القرنين ورحلته إلى الكواكب الأخرى , الطور المهدوي لـ عالم سبيط النيلي ..
0 قبر راحيل عليها السلام - ( أم نبي الله يوسف . ع )
0 إحساس الجمادات .. بمشاعرنا !!؟‎


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 08:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi