هيا بنا نضحك

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين
السلام عليكم ورحمة اللهوبركاته

(هيا بنا نضحك)

ما من أحد من الناس مهما علا قدره وارتفع مكانه،إلا وتتوق نفسه إلى الطرفة والفكاهة،ويميل ـ بطبعه وفطرته ـ إلى الملح والنوادر الجميلة والأخبار اللطيفة،لما في ذلك من ترويح عن النفس،ومساعدة على نسيان الهموم والأحزان،وإمداد للبدن والروح على السواء بالطاقة والحيوية والنشاط.
فالحياة التي تكون دائما جادة،ولا يتخللها شيء من الأوقات المستقطعة من أجل المتعة والترفيه عن النفس بشتى وسائل التسلية التي من بينها سماع النكات والنوادر المضحكة،ليس فقط حياة مملة ومتعبة،بل من شأنها أيضا أن تجعل الإنسان يصاب ببعض الأمراض التي من بينها الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية المستعصية.
ومن هنا حث الإسلام على الترويح عن النفس،والتخفيف عنها بطرائف الحكمة ونوادر الكلم،حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة،فإن القلوب إذا كلت عميت)
وذمّ من لا يضحكون ولا يلاطفون الآخرين فقال عليه وآله أفضل الصلاة والسلام:
(لا خير في من لا يطرب)
وليس المقصود بالطرب هنا،ما قد يتبادر إلى الذهن من أمور محرمة،وإنما هو أن يروح الإنسان عن نفسه بملاطفة الآخرين والمزاح معهم،ومقابلتهم بالبشاشة والابتسامة،وإسعادهم ونفسه بحلو الحديث وعذب الكلام،ولطيف الملح والنوادر المضحكة.
وفي كلام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:
(أجموا ـ أي: أريحوا ـ هذه القلوب،والتمسوا لها طرف الحكمة،فإنها تمل كما تمل الأدبان....)
إذن القلوب تتعب وتصدأ وتكل وتمل،إذا كانت الحياة دائما جادة وجافة،ولا فسحة فيها للترفيه والتسلية والضحكة والابتسامة.
ومن أجل ضمان عدم الوقوع في هذا الأمر الخطير نحن بحاجة إلى ألترويح عن القلب،والتسلية عن النفس،برحلة ونزهة وسفرة وضحكة ونادرة...إلى ما هنالك من وسائل الترفيه والتسلية التي يجب أن نحرص على القيام بها بين حين وآخر،لنجدد النشاط والحياة معا.
وبغض النظر عن هذا كله،فمن القيم الإنسانية الفاضلة التي يحث عليها العقل ويؤكدها الدين،أن يحسن الإنسان معاشرة الآخرين.
ولا شك أن من حسن الصحبة والعشرة والمجالسة أن نقابل الآخرين بوجه بشوش،وسن ضاحك وابتسامة طافحة،وأن نحاول إسعادهم ورسم البسمة على شفاههم،بطيب كلامنا وحسن تعاملنا...لا أن يكون الإنسان عبوسا مقطبا في هيئته، خشنا فظا في كلامه،سيئا في تعامله مع الناس.
ولهذا نرى العرب إذا أرادوا أن يمدحوا رجلا قالوا:
(هو ضحوك السن،بسّام الثنايا،هشّ إلى الضيف)
وإن ذموه قالوا:
(هو عبوس الوجه،جهم المحيا،كريه المنظر،حامض الدجنة، كأنما وجهه بالخل منضوح،كأنما أسعط خيشومه بالخردل)
ولقد أجاد من قال:
إنما للنـاس منـا
حُسنُ خٌلق ومزاح
ولنا ما كان فيـنا
من فساد وصـلاح
ولقد كان كبار الشخصيات وأفذاذ التاريخ وعباقرة العالم، يضحكون وينكتون ويستمتعون،فيشعرون بالراحة النفسية التي تنسيهم ـ ولـو لفتـرة محدودة ـ هموم الحياة ومشاكلها المعقدة،كما أنها تعيدهم إلى حياتهم العملية الجادة وهم أكثر حيوية ونشاطا.
يقول ابن إسحاق:
(وقد طرب الصالحون وضحكوا ومزحوا)
بل كان سيد الخلق هيكل القداسة وسيد الكائنات،وأشرف الموجودات،رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،يلاطف أصحابه،ويمزح معهم،وينكت لهم ويسوق الكثير من النوادر والطرائف التي تجعلهم يطربون لسماعها،وترسم البسمة على شفاههم،بل قد تستثيرهم إلى الضحك.
ولكنه كان صلى الله عليه وآله وسلم،حتى في مزاحه لا يقول إلا حقا وصدقا،وكيف:لا وهو صلى الله عليه وآله
(الصادق الأمين؟؟!!!)
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله الطاهرين:
(ما ينطق عن الهوى،إن هو إلا وحي يوحي؟؟؟!!!)
وقد قيل له صلى الله عليه وآله:
يا رسول الله،إنك تداعبنا؟؟؟!!!
فأجاب عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم:
إني وإن داعبتكم،فلا أقول إلا حقا.
ومما نقل عن مزاحه وطرائف صلى الله عليه وآله:
أنه كان في المدينة عجوز أشجعية،فرآها النبي صلى الله عليه وآله فقال لها:
يا أشجعية،لا تدخل العجوز الجنة.
فجلست تبكي،فرآها بلال فسألها عن سبب بكائها،فأخبرته الخبر،فجاء إلى النبي صلوات الله عليه وآله فأخبره فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
والأسود أيضا لا يدخل الجنة.
فجلس بلال يبكي إلى جانب تلك المرأة إلى أن رآهما العباس وعرف قصتهما،فقصها على النبي فقال له صلى الله عليه وآله:
والشيخ ـ الكبير في السن ـ لا يدخل الجنة.
فالتحق العباس ببلال والمرأة وجلس يبكي معهما،بعدها دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وطيب قلوبهم أخبرهم:
أن أهل الجنة ينشئهم الله كأحسن مما كانوا ويدخلون الجنة شبابا منورين!!!
ومن طرائفه صلى الله عليه وآله أن جاءته امرأة فذكرت له زوجها،فقال صلى اله عليه وآله:
أهذا الذي في عينه بياض؟؟؟!!!
فقالت:
لا.يا رسول الله،ما بعينه بياض.
وأخبرت زوجها فضحك وقال:
ألا ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟؟!!
و نادى رجلا ذات يوم فقال صلى الله عليه وآله:
يا ذا الأذنين!!
إلى ما هنالك مما ورد وروي عن طرائفه وملحه ونوادره صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك كان الأئمة الطاهرون من أهل بيته الأكرمين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،يسوقون الطرفة،ويقولون النكتة،ولكنهم كانوا كجدهم النبي لا يقولون إلا حقا ولا ينطقون إلا صدقا.
ولقد ثبت علميا أن الضحك علاج للكثير من العلل والأمراض، كما أن التجهم الدائم يسبب الكثير من العلل والأمراض!!!!
ونكتة جديرة بالالتفات وهي:
أن الطرائف والنوادر،ليست فقط من أجل رسم البسمة على الشفاه،أو من أجل جعل المستمعين يضحكون حتى يظن من رآهم أنهم سكارى وما هم بسكارى ولكن ضحكهم شديد!!!
لا!!!،بل أن الكثير من الطرائف والنوادر تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعظات والعبر،وتنطوي على الكثير من الرسائل المهمة التي يجب أن نعيها ونتفكر فيها!!!
كما أنها أشد أثرا في النفس من المواعظ الجافة،والنصائح المجردة من كل شيء!!!
فقد تفعل نكتة أو طرفة في النفس ما لا تفعله عشرات الخطب والمواعظ،إذا أحسنا اختيار تلك الطرفة،وأتقنا فن إلقائها إلى الناس،وعرفنا كيف نجعل المتلقين لها يتفاعلون معها بالعقول والقلوب،ولم يكن همنا فقط هو رسم البسمة على الشفاه.
لذلك يجب أن نتقن قراءة الطرفة،ونحاول أن نستفيد منها بشكل صحيح،تماما كما نحاول أن نستفيد من المحاضرات العلمية وغيرها!!!
والطرفة أيضا فن رائع وجميل،وتدل على عبقرية في التفكير، وليس باستطاعة أي أحد أن يصوغها،أو يجيد أداءها!!!،فلها أصحابها المتخصصون في الصياغة والأداء!!!!،لأنها فن قائم بذاته كسائر الفنون!!!!
إذن نحن مدعوون جميعا إلى أن نضحك،ونروح عن أنفسنا والآخرين بطرائف الحكمة،وسوق الملح والنوادر،وحسن العشرة والتعامل.
فالناس لا يريدون منك مالك ولا عقارك ولا أملاكك،وكل ما يريدونه منك هو ابتسامة جميلة،وضحكة رائعة،ونادرة حلوة، وطرفة مسلية،تسري إلى قلوبهم فتزيح عنهم الهم،وتخفف الحزن،وتشرح الصدر،وتريح النفس.
ولو أنك أعطيتهم هذا لكسبت قلوبهم وملكت نفوسهم وأصبحت محبوبهم ومعشوقهم،دون أن تخسر شيئا.
وفي مضمون الحديث الشريف:
(إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم،فسعوهم بأخلاقكم)
فلن تستطيع أن تشتري كل أحد بالمال،ولكنك باللطف وحسن التعامل وطيب المعاشرة،وضحكة السن وابتسامة الشفتين وإشراقه الوجه،وجمال المداعبة والملاطفة تتمكن من شراء الجميع،وتكون أمير النفوس وملك القلوب!!!
ومع دعوتنا إلى الضحك والملاطفة والمزاح،لا بد أن نؤكد على ضرورة أن لا نتخذ من ذلك ذريعة للخروج عن اللياقة والأدب، والوقوع في كل شين وقبيح،بحجة أننا نمزح ونمرح،بل يجب أن يكون مزاحنا في حدوده المعقولة والطبيعية،وفي أوقاته المناسبة له.
فبين هذا وذاك يجب أن نكون

بقلم الاستاذ
علي محمد عساكر
منتدى الأحساء الثقافي

يسلمو ع الطرح
لاعدمنا جديدك


تحياتي

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل ممد الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته

شكراً لمرورك العطرالأخت الفاضلة
اتمنى أنكِ استفدتي من الطرح