قالت أم سلمة : فرأيت وجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) يَتَهَلَّلُ فرحاً وسروراً ، ثم ابتسم في وجه علي ( عليه السلام ) ودخل على فاطمة ( عليها السلام ) ، وقال لها : ( إن علياً قد ذكر عن أمرك شيئاً ، وإني سألت رَبِّي أن يزوجكِ خير خلقه فما ترين ؟ ) ، فَسَكَتَتْ ( عليها السلام )
فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : ( اللهُ أَكبر ، سُكوتُها إِقرَارُها )
فعندها أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة ، لِيُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة لعلي ( عليهما السلام )
فلما اجتمعوا قال ( صلى الله عليه وآله ) لهم : ( إن الله تعالى أمرني أن أُزَوِّج فاطمة بنت خديجة ، من علي بن أبي طالب )
ثم أبلغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً بأن الله أمره أن يزوجه فاطمة على أربعمائة مثقال فضة ، وكان ذلك في اليوم الأول من شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة
إن هذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية يَستَثِير أَمَامنا سؤالاً مهماُ ، وهو : لماذا لم يُرَخَّصُ لفاطمة ( عليها السلام ) بتزويج نفسها ؟
ولماذا لم يُرَخَّص للرسول ( صلى الله عليه وآله ) وهو أبوها ونَبِيُّها بتزويجها – والنبي ( صلى الله عليه وآله ) أولى بالمؤمنين من أنفسهم – إلا بعد أن نزل القضاء بذلك ؟
وجوابه : أنه لا بُدَّ من وجود سِرٍّ وحكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج ، وتتوقف على هذه العلاقة الإنسانية ، أي علاقة فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بابن عمّه وأخيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الذي كان كما يُسمِّيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بـ( نَفْسِه )
وهو الذي تربَّى في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعاش معه ، وشَبَّ في ظلال الوحي ، وَنَمَا في مدرسة النبوة
وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ، ويكون منهما الحسن والحسين ( عليهما السلام ) سيدا شباب أهل الجنة أئمةً وهُدَاة لِهَذه الأمّة
ولهذا كان زواج فاطمة ( عليها السلام ) أمراً إلهياً لم يسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إليه ، ولم يتصرَّف حتى نزل القضاء – كما صرح هو نفسه ( صلى الله عليه وآله ) بذلك
جاء في المجلد الثاني من أعيان الشيعة أن عمر السيدة الزهراء(ع) يوم تزوجت من علي(ع) كان يترواح بين التاسعة والعاشرة، فبناءً على أن زواجها كان بعد الهجرة بسنة واحدة يكون لها من العمر عشر سنين
وجاء في الطبقات لابن سعد أن أبا بكر خطبها من النبي(ص) فقال: انتظر بها القضاء، وخطبها عمر فأجابه بنفس الجواب
ولما جاءه علي(ع) خاطباً لم يزد على قوله: ذكرت فاطمة بنت رسول الله(ص) فقال النبي(ص)، مرحباً وأهلاً، فخرج علي ومن كان معه من الأنصار وأخبر بما جرى له مع النبي، فقالوا له قد أجابك لما تريد.
- وفي الطبقات أن النبي(ص) ذكر علياً لفاطمة(ع) وقال لها: إني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد عرفتم علياً وفضله ومواقفه وقد جاءني خاطباً، فما ترين، فسكتت ولم تتكلم بشيء، فخرج وهو يقول بسكوتها إقرارها
ثم خطب الرسول(ص) بجمع من المسلمين قائلاً: «أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي(ع) وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة، والتفت إلى علي(ع) وقال له: أرضت هذا الزواج، يا علي؟ قال رضيت يا رسول الله ثم خرّ لله ساجداً، فقال النبي(ص) جعل الله فيكما الكثير الطيب وبارك فيكما